أما إذا صرح بالآمر والناهي كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مرفوع قطعاً عند الجميع، لكن دلالته على الانكفاف في النهي أو الائتمار بالأمر خالف فيها داود الظاهري، وبعض المتكلمين، وقالوا: قد يظن الصحابي الكلام النبوي مشتملاً على أمر أو نهي وهو في الحقيقة لا يدل على الأمر والنهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وهنا يقال: إن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية فالكلام هذا ليس بصحيح.
"نهي أن يصلي الرجل مختصراً" وكذلك المرأة، نهي أن يصلي الرجل مختصراً يعني أن يضع يديه على خاصرتيه في الصلاة، يضع الرجل يديه على خاصرتيه، وجاء التعليل في حديث عائشة: إن هذا فعل اليهود، فالنهي عنه للتشبه، وبعضهم يستنبط علة يقول: إن هذا صنيع الشيطان، وذكر حديث: ((المختصرون على منابر من نور)) من أهل العلم من يفسر هذا الحديث باختصار القراءة وتخفيف القراءة، لكن العلة المنصوصة هي ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن هذا فعل اليهود، ((المختصرون على منابر من نور)) هذا الحديث لا يعرف في الكتب المعروفة، ولذا تداوله الشراح، فلا أصل له، وإن حمله بعضهم على أنهم الذين يستعملون المخصرة التي هي العصا يعتمدون عليها لطول القيام في الليل، لكن ما دام الحديث لا يعرف له أصل فلا نحتاج إلى تأويله إلا من أجل التوفيق بينه وبين حديث الباب.
وعلى كل حال الاختصار هو وضع اليدين على الخاصرة هذا صنيع اليهود.
قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إدخال الحديث هذا في الأمور المستحبة والمكروهة يدل على أن النهي هنا عند المؤلف للكراهة.
قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) متفق عليه" لا شك أن الأمر في ((فابدؤوا)) يدل على استحباب الفراغ مما يشوش على بال المصلي وقلبه، إذا قدم العشاء والإنسان نفسه تتوق إليه فإنه يفرغ منه.