يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "فإنهم وإن طقطقت بهم البراذين، وهملجت بهم البغال، فإن ذل المعصية لا يفارقهم" يعني مهما ظهروا به من مظهر من أبهة وتعالي وارتفاع على الناس، فإن هذا هم في حقيقة أمورهم في شقاء وذل، وتجد الإنسان وإن كان مطاعاً مهاباً بجيوشه وبعدته وعتاده إلا أنه ذليل لأحقر حراسه؛ لأن هذا الحارس الذي عند الباب يستطيع أن يمكن العدو الذي يقتله، ولذلك يقول بعض أهل العلم: إن الملوك عبيد لعبيدهم، فهل هذا ملك يتشبث به؟! والله المستعان.
وإذا عرفنا الجزاء الأوفى عند الله -جل وعلا- لآخر من يدخل الجنة ويخرج من النار أن يتمنى مُلك أعظم ملك في الدنيا، فيقال: لك مثله، ومثله، ومثله، وعشرة أمثاله "هذا وأدناهم وما فيهم دني" هذا يمكن أدنى أهل الجنة منزلة، عشرة أمثال ملك ذي القرنين، أو هارون الرشيد، أو أعظم ملك في الدنيا، ويأتي من يملك حفنة من الناس، أو شبر من الأرض، ويسوم الناس سوء العذاب، ويترفع عليهم ويتعالى، وإذا وقع الذباب على أنفه ما استطاع أن يصنع شيئاً، والله المستعان.
"إنه لا يذل من واليت" وفي رواية البيهقي: "ولا يعز من عاديت".
"تباركت ربنا وتعاليت" والفعل بهذه الصيغة لا يصرف إلا لله -جل وعلا-، يقال: فلان مبارك لما يرى من أثره المنتشر المتعدي؛ لكن لا يقال: تبارك فلان، لا، هذا خاص بالله -جل وعلا-، وتعالى أي: ارتفع، فله العلو المطلق بأنواعه: علو القدر، وعلو الذات، وعلو القهر، كل أنواع العلو لله -جل وعلا-.
يقول: "رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" الأصل في مثل هذا الإلزام الذي يلزم هو الدارقطني في الغالب؛ لأن له الإلزامات، وأيضاً صنيع الحاكم في المستدرك نوع من الإلزام، صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وأنا أخرج أحاديث احتج بمثلها الشيخان، المقصود أن هذا الإلزام الذي يظهر أنه من الدارقطني، وأنا ما وفقت عليه، لكن يراجع؛ لأنه قال: "وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" وللحافظ الدارقطني الإلزامات، وله أيضاً التتبع.
يقول: "ولا يُعز من عاديت" بضم الياء أم بفتحها؟
لا، هو من (عز) الثلاثي يَعِز.