"عافني فيمن عافيت" يعني من ضمن من عافيت، والعافية قلنا: إنها شاملة لكل ما تطلب له، ومن ذلك عافية البدن، وإذا كانت العافية معناها ألا يصاب بما يخرجه عن حيز الاعتدال في الصحة، فإن إخراجه عن حيز الاعتدال خير له، المصائب لا شك أنها خير للمسلم، فإنها تكفر الذنوب، وتحُت الذنوب كما تحت الشجرة ورقها، وتحط الخطايا، فكيف يسأل الإنسان زوال ما هو خير له؟! وإذا مرض سأل الله الشفاء، وبذل الأسباب للشفاء، والمرض لا شك أنه مكفر، وهذا مثل ما جاء في الحديث: ((لا تسألوا لقاء العدو)) وإن كان فيه الشهادة التي هي من أعظم المطالب بالنسبة للمسلم، وفيها أعظم تكفير للذنوب، وتكفر كل شيء إلا الدين، ومع ذلك لا يسأل، فالإنسان لا يسأل المصيبة، ولا يسأل البلية، ولا يسأل الفتنة؛ لأنه لا يدري ما النتيجة؟ لا يدري، يمكن يسأل الله لقاء العدو ثم بعد ذلك ينحرف، ويقتل على غير هدى، نسأل الله العافية، وقد يسأل البلاء ولا يصبر عليه، فيكون ذلك وبالاً عليه، فسؤال مثل هذا لا يجوز، والعافية مطلوبة، عافية البدن مطلوبة؛ لماذا؟ لأن بها تتحقق العبودية، الإنسان لا يستطيع أن يطلب الله -جل وعلا- على الوجه المطلوب إلا إذا عافاه في بدنه، لكنه إذا ابتلاه أعظم له الأجر، وكفر عنه الذنوب، فإذا كان سؤاله العافية من أجل أن يحقق العبودية التي من أجلها خلق هذا مطلوب، أيضاً إذا سأل الله العافية وفي نيته من سؤال العافية تحقيق العبودية إضافة إلى الشكر على هذه العافية فلا شك أنه على خير عظيم، يعني الإنسان جرب كيف يكون مزاجه وهو يصلي سليم معافى ومزاجه ونفسيته وهو يصلي على شيء من التعب، هو مأجور على هذا التعب، لكن تحقيق العبودية إنما يكون تمامه مع العافية، وليس من يصلي وهو قائم كمن يصلي وهو جالس، يعني لولا المبرر لولا العذر لولا المرض قلنا: صلاة الفريضة باطلة، إذاً العافية أكمل، هذا هو الأصل، لكن إذا حصل المرض، وحصلت المصيبة وصبر عليها الإنسان أجر عليها، وكفرت بها خطاياه وذنوبه؛ لأن هذا موطن فيه شيء من الإشكال، وأورده ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي، كيف يسأل ويدعى بكشف المرض الذي هو خير للمسلم؟ يعني المسلم مثل خامة الزرع كما جاء