يقول: "إذا سجد أحدكم" ذاك من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهذا من قوله، ومعروف أن الفعل عند أهل العلم لا عموم له، وإن كان الأصل الاقتداء والائتساء، فيقال: لا عموم له إذا عورض، وهذه قاعدة عند جمع من أهل العلم أنه إذا تعارض القول والفعل فإنه يرجح القول، ويكون الفعل محمولاً على الخصوصية، لكن هذا ليس بمطرد كما تقدم لنا في نهيه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، مع أن ابن عمر رآه في بيت حفصة يقضي حاجته مستدبراً الكعبة مستقبلاً بيت المقدس، وقالوا: هذا من فعله وذاك من قوله، فيكون خاصاً به، وقررنا هنالك أن كل فعل يتضمن كمالاً، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، واستدبار الكعبة بالبول أو بالغائط أكمل أو عدمه أكمل؟ عدمه أكمل، فكيف نقول: إن الأمة مطالبة باحترام الكعبة، وتعظيمها والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطالب؟ هو أولى بالكمال من هذه الأمة، ونظيره ما قيل في الفخذ عورة ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: إن كشف الفخذ خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر للأمة، نقول: ستر الفخذ أكمل من كشفه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وتقدم تقرير هذا كله، وأن كون فخذه انحسر وهو على الدابة، لا يعني أن هذا يقضي على الدوام والاستمرار في حال الاختيار، عند الركوب لا بد أن يبدو شيء، ثم بعد ذلك يغطى.
وليس هذا محل تقرير المسألتين، هنا ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) عرفنا قول من يضعف الحديثين، وقول من يصحح الحديثين، ويجعل المكلف مختار، وكأن هذا هو ما يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا ضعفنا الحديثين، قلنا: مخير؛ لأنه لا يثبت في الباب شيء، وإذا صححنا الحديثين فهنا نهي، ((فلا يبرك)) فهل يكون مع هذا النهي تخيير؟ ((وليضع)) أمر، هل يكون مع هذا الأمر تخيير على حد سواء؟ فلا.