أما ما روي عن أنس في المسند، قال: ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، وكان الأمير هو عمر بن عبد العزيز، هذا ليس بوارد أصلاً؛ لماذا؟ لأن عمر بن عبد العزيز ولد سنة ستين أو واحد وستين، وأبو هريرة مات سنة تسعة وخمسين، فلا يمكن أن يراد بكلام أبي هريرة ألبتة.
المحتمِل حديث أبي الدرداء، لكن ما جاء من طريق أبي هريرة نفسه من أن المراد به أنس بن مالك هذا هو الأقرب.
يقول: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" هذه كناية عن الرجل، كما أن فلانة كناية عن المرأة، ويؤتى بالكناية في مثل هذا حينما يخشى الإنسان على نفسه، أو على المتحدث عنه، أو يترجح عنده أن التكنية أولى من التصريح، وقد يكون لشيء في النفس، وهنا لا يظن أن يكون السبب شيء في النفس، وإن كانت النفوس قد تعتمد مثل هذا؛ لأنه ليس فيه كذب، وليس بممنوع ألا يصرح بالاسم، لكن كما قالت عائشة -رضي الله عنه-: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين العباس وآخر، أو ورجل" تعني بذلك علي -رضي الله عنه-، ما صرحت باسمه؛ لأن في نفسها شيئاً لا يؤثر، لما استشاره النبي -عليه الصلاة والسلام- في حادثة الإفك أشار بقوله: النساء غيرها كثير، هذا لا شك أنه يوجد في النفس ما يوجد، لكن هل ارتكبت محظور بسبب ما في النفس، أو تركت واجب بسبب ما في نفسها؟ أبداً، لما قتل عثمان جاء الناس يستشيرونها فأشارت بعلي -رضي الله عنه وأرضاه-، يعني ما منعها ما في نفسها أن تنصح النصيحة الواجبة، وأن تكتم الحق، ما حملها ذلك على أن تكتم الحق الواجب بيانه، فالتكنية لها فوائد، لو أن شخصاً أفتى بفتوى مناسبة ومحررة ومقررة، وأراد الإنسان إشاعتها بين الناس، لكن عليه ضرر في التصريح باسم هذا المفتي، يقول: أفتى بعض أهل العلم، ما في ما يمنع؛ لان المقصود إيصال الفائدة كما هنا "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" وقد يصرح به في موضع آخر كما في المسند، صرح بابن أم سُليم يعني أنس.