"فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني لو قالها إنسان في الوقت الحاضر بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وفداه بأمه وأبيه لا سيما إذا سمع من يقدح فيه -عليه الصلاة والسلام-، أو يسخر منه، أو من سنته لكان ذلك مشروعاً، وليس المراد بفداء بدنه وجسده، وإنما فداء سنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد مات -عليه الصلاة والسلام-، فتقدم النفس فداءً لعرضه، وفداءً لسنته دون من يتطاول عليه، ومع الأسف أننا نجد من جلدتنا ومن يتكلم بألسنتنا يتطاول على السنة دون رادع، فضلاً عن الكفار الذين نالوا منه ووصفوه بأبشع الأوصاف، وصوروه بأقبح الصور -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مثل هذا يحز في نفوس المسلمين، ومن لم يرفع بذلك رأساً فليراجع نفسه، لكنه مع ذلك نجزم أن فيه الخير، أن فيه المصلحة راجحة، يعني لا نتمناه ولا نرضاه، لكن {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم} [(11) سورة النور] إذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- موجهة له في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، ويقول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [(11) سورة النور] فكذلك ما حصل ليس بشر من جميع الوجوه، بل الذي ترتب عليه ترتب مصالح كبرى، فكثير من المسلمين لا يعرف عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا الاسم، ولا يعرف كيف يقتدي به، ولا يعرف كيف يأتسي به، ولا يعرف أن في نفسه له قدر -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما وجد هذا التطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- ظهر ما في النفوس من مكنون حياله وتجاهه ومن محبة صادقة، وإن كانت هذه المحبة إذا لم تكن مقرونة بالاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، بالإتباع الصحيح فإنها تكون نظرية أثرها يكون ضعيفاً، وإلا فالأصل أن على المسلم أن يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحب من نفسه، ولذلك لما قال عمر -رضي الله عنه-: إني والله لأحبك من كل شيء إلا من نفسي، قال: ((بل ومن نفسك يا عمر)) قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015