ابن حجر في فتح الباري قرر أن قول المعتزلة أن الأعمال شرط لصحة الإيمان، وأهل السنة يقولون: العمل شرط كمال بالنسبة للإيمان، هنا شرط صحة، وهناك شرط كمال، والصواب أنه شرط صحة؛ لأن الكمال ينافي الاشتراط، لفظ الكمال ينافي الاشتراط، فالكلام فيه تنافر لفظي ومعنوي، والشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: إن من قال: إن العمل شرط كمال فهو مرجئ؛ لأن الكمال ليس بواجب فضلاً عن أن يكون شرطاً، تنافر لفظي ومعنوي حينما نقول: شرط كمال؛ لأن الشرط يترتب عليه على تركه عدم المشروط، والكمال لا يترتب عليه ولا التأثيم؛ لأن المصالح إما أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية كمالية، فالشروط والأركان من القسم الأول؛ لأنه يترتب عليها انتفاء المشروط، والواجبات من القسم الثاني، والمستحبات من القسم الثالث، فعلى هذا إذا قلنا: كمال صار من قبيل المستحبات، لا من قبيل الواجبات، فضلاً عن أن يكون من قبيل الضروريات.
الذين قالوا بأنه شرط، وقالوا كمال أيضاً قالوا: إطباق سلف هذه الأمة على إدخال العمل في مسمى الإيمان ينبغي أن يكون شرطاً، وللتفريق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة قالوا: كمال وليس بشرط صحة؛ لأنه يفهم من كونه شرط صحة أنه يخرج بجزء من أجزائه من الإيمان، يعني لو ترك أي عمل واجب يفسق بتركه، أو ارتكب محظور يفسق بفعله، يكون انتهى، خرج من الإيمان على قول المعتزلة، فاللتفريق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة قالوا: إن المعتزلة يقولون: شرط صحة، وأهل السنة يقولون: شرط كمال، وهذا ما قرره ابن حجر في فتح الباري.
الصواب أنه شرط صحة، لكن الفرق بين قول أهل السنة وبين قول المعتزلة أنهم يرون أن جميع الأعمال شرط صحة أعني المعتزلة، وبينما أهل السنة يرون جنس العمل يعني الذي لا يعمل شيئاً ألبتة هذا ليس عنده دليل وبرهان على ما وقر في قلبه من إيمان، كما أنه لا يحكم بإيمانه ما لم يتلفظ، وعرفنا بالأمس في حديث في الحديث الأول ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) دليل على أن ترك الصلاة شرك، فهو داخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] التي يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة.