مضارع مبني، والمضارع قد يكون في الحال، وقد يكون في الاستقبال، فعطف عليه الأمر بالفاء مع أنه كان الأمر {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} يعني في المستقبل قد تكون المدة قريبة أو بعيدة، لكن فولي دل على أن الأمر جاء مباشرة بعد هذا الوعد {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] يعني جهة المسجد الحرام، الشطر: الجهة، وبهذا يستدل الجمهور في مسألة الاستقبال أن الجهة كافية، ويؤيده ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) والشافعية يقولون: المتعين إصابة عين الكعبة، الجمهور يقولون: يكفي الشطر يعني الجهة، وعند الشافعية يتعين التوجه إلى عين الكعبة، وهل هذا بالإمكان لمن بعد عنها؟ ليس بالإمكان، بل هذا مما يستحيل، يستحيل أن تجزم بأن هذا الاتجاه متجه إلى عين الكعبة، بخلاف محرابه -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما عداه من الأماكن يستحيل، وهذه مشقة عظيمة، فكيف يتنصل الشافعية من هذه المشقة؟ كيف يتنصلون من هذه المشقة؟ يعني لو أريد حقيقة الكلام لا شك أن هذا عنت، ولا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أيضاً لو كان متحققاً لا على سبيل القطع واليقين، يعني لو أن إنساناً اجتهد ووافق عين الكعبة، ما الذي يدله على أنه أصاب عينها؟ ما في ما يدل؛ لأنه ليس مؤيد بوحي، ما في ما يدله، إذاً هذا القول فيه عنت ومشقة، يتنصلون من هذا بأن يكتفوا في ذلك بغلبة الظن أنه أصاب عين الكعبة، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظياً.
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر يستدل بهذا من يقول: إن المصلي ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده، والأخذ للقول الأول من الآية ظاهر أنه ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أنه ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع له، وأحفظ لنفسه من التشتيت حتى قال بعضهم: إنه يسن له إذا خشي التشتيت أن يغمض عينيه؛ لئلا يتشتت ذهنه فيجتمع، ولا شك أن النظر إلى موضع السجود يجمع القلب، وأما إغماض العينين فقد ذكر أنه فعل اليهود.