منهم من يستروح إلى أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الفخذ عورة)) من كلامه بالنسبة للأمة، تكليف للأمة، وأما كون -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه هذا بالنسبة له، يدل على الخصوصية، وذكرنا مراراً أنه ما دام تغطية العورة كمال فكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به من غيره، يعني إذا كان تغطية العورة تكريم لبني آدم وهو كمال بالنسبة لهم إذ لم يكونوا مثل الحيوانات، كما يطالب بعض المفتونين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الكمال، وإذا كانت العورة مما يستحيى من إبدائه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أشد الناس حياءً، وما رئيت عورته -عليه الصلاة والسلام- لا في جاهلية ولا في إسلام.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ" راكب الدابة يحتاج إلى مثل هذا، وأنتم ترون الدابة مرتفعة جداً، فلا بد من انحسار شيء من هذا، إذا أراد الإنسان أن يركب السيارة وهي أقل من ذراع عن الأرض، إذا رفع رجله انكشف شيء من ساقه، فكيف بمن ركب دابة ليرتاح عليها؛ لأن اللباس لا شك أنه يشد على لابسه، فيحتاج إلى أن ينفس عن نفسه شيئاً، وقد ينكشف بعض ما لا يجوز انكشافه في حال الرخاء، وبعضهم يقول: الفخذ عورة يعني في الصلاة، وليس بعورة خارج الصلاة، وهذا قال به بعضهم، والأصل العموم، الفخذ عورة عورة، يعني في الصلاة وفي خارج الصلاة هذا الأصل.
قال المؤلف: "فلفظ مسلم لا حجة فيه" ما دام انحسر بنفسه لا حجة فيه، كما لو كان الإنسان يصلي فأطارت الريح إزاره، ثم رده قريباً مثل هذا لا يد له بذلك، أو شيئاً من إزاره حتى بدت بعض عورته يعيده سريعاً، ولا يؤثر في صلاته.