((من جر ثوبه خيلاء)) في الحديث الآخر: ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) هذا مقيد بالخيلاء وذاك مطلق، ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) ولو بدون خيلاء، وهذا: ((من جر ثوبه خيلاء)) وأبو بكر لما سمع هذا الوعيد الشديد قال: إنه يسترخي أحد جانبي إزاره، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك لا تفعله خيلاء)) لست ممن يفعله خيلاء، فهذه تزكية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر؛ لأن الخيلاء والكبر من أعمال القلوب، لا يستطيع إنسان أن يزكي أحد، ولا يزكي نفسه، بل نهي عن ذلك، وإذا وجد من يجر ثوبه ويقول: إنه لا يفعله خيلاء، قلنا: هذا الكلام ليس بصحيح، فليس لنا إلا الظاهر، والباطن الله -جل وعلا- يتولى السرائر، وكلامك عن نفسك تزكية، وقد نهيت عنها، فعليك أن ترفع ثوبك.
هنا الحديث مقيد، وحديث: ((ما أسفل من الكعبين)) مطلق، وقال بعضهم: إن المطلق يحمل على المقيد، فإذا برئ الإنسان وسلم من الخيلاء والكبر فإنه يجوز له ذلك، لكن بالنظر إلى القواعد، قواعد حمل المطلق على المقيد نجد أنه لا يمكن حمل المطلق على المقيد هنا؛ لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب فلا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، الحكم مختلف هناك في النار، وهنا: ((لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) الحكم أشد، مناسب لما اقترن بمجرد الإسبال إذا اقترن معه الخيلاء، إذا اقترن مع الإسبال الخيلاء فالحكم أشد، فجاء حكم يناسب، إذا كان مجرد إسبال من غير خيلاء فحكمه مناسب ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) والمراد بذلك ليس الثوب، وإنما هو ما يقابله من بدن الإنسان، ما يقابل هذا القدر الزائد من بدن الإنسان.
((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)) فيه إثبات النظر لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته.