ذكرنا مثالاً في الدورة الماضية يصور لنا أو يقرب لنا هذه الهجرة، يعني الحديث محمول على شخص هاجر وفي نيته أنه يطلب المال، ثم يقول للناس: والله هذا البلد ليس فيه ما يعين على العبادة، أو تحصيل العلم، أو ما أشبه ذلك، أنا انتقل إلى البلد الفلاني، انتقل من المدينة إلى الرياض أو إلى كذا؛ لأن المشايخ والعلماء متوافرون هناك، ويتيسر لي أن أطلب العلم وهو في الحقيقة لأن فرص العمل الدنيوي أكثر في حقيقة الأمر، وكذلك إذا قال: يذهب هناك للبلد الفلاني لأن العُباد أكثر يعينونه على تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وفي حقيقة الأمر أنه ذكر له امرأة تناسبه هناك، فيتظاهر بغير الواقع، والمثال الذي كررناه: لو افترضنا أن شخصاً إذا بقي على غروب الشمس ربع ساعة نصف ساعة من يوم الاثنين أخذ التمر والقهوة والماء وذهب إلى المسجد وبسط سماطه في المسجد ووضع التمر وانتظر حتى يؤذن وهو ما صام، وكل من دخل من باب المسجد: تفضل أفطر معنا، هو ما صام، إذا نظرنا إلى أصل المسألة الأكل في المسجد مباح، وكونه لا يأكل إلا في وقت معين ما لم يتعبد به ينتظر مباح، لكن كونه يرتبط بهذا الوقت بهذه المدة على هيئة الصائمين، ويدعو الناس ليفطروا الناس معه، وينتظر حتى يؤذن، هذا يتظاهر للناس، بل يظهر للناس خلاف ما هو عليه، فيذم من هذه الحيثية، وإلا الأكل في المسجد ما فيه شيء، يعني: لو جاء بعدته من التمر والشاي والقهوة الضحى مثلاً، وصلى ركعتي الضحى وجلس يذكر الله حتى يؤذن لصلاة الظهر، ومعه التمر والشاي والقهوة وكذا ما يلومه أحد، لكن كونه يتحين هذا الوقت ويتظاهر للناس الذي يدخلون مع الأبواب أنه إنما يستعد للفطور من الصيام من هذه الحيثية يذم، ولذا الذي هاجر للدنيا أو هاجر من أجل المرأة، وقد أظهر للناس بقوله أو بفعله، بلسان حاله أو مقاله أنه إنما هاجر لله ولرسوله الذم من هذه الحيثية ((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها)) دينا الدنيا ما قبل الآخرة، وما قبل الموت بالنسبة للأفراد، سميت بذلك لدنوها وقربها، أو لدناءتها وحقارتها.