"أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا" هؤلاء الفتية الذين خرجوا من بينهم أبو محذورة، خرجوا بعد فتح مكة إلى حنين، سمعوا المؤذن فأذنوا، يقلدون صوته، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- أذانهم فأعجبه أذان واحد منهم لا يعرفه، فأمرهم أن يؤذنوا "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة، فعلمه الأذان" مثل ما تقدم، مسح على رأسه وبرك عليه، فعلمه الأذان.
"وروى الدارمي في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وهذا تقدم الإشارة إليه في الحديث السابق".
قال: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى" وجاء في الحديث: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى)) فيه مشروعية اتخاذ أكثر من مؤذن، ويؤذنون إما على التعاقب كل واحد يؤذن وقت، وبالنسبة للفجر الذي له أذانان يؤذن كل واحد منهما وقت، يؤذن الأول والثاني يؤذن للثاني أو العكس، المقصود أن هذا أمر مشروع أن يتخذ أكثر من مؤذن.
ابن أم مكتوم الأعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، يعني لا يؤذن حتى يقال له: دخل الصباح، وليس معنى أنه أوغل في الصبح ((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبح)) لا بد أن يخبر بالصباح؛ لأن الصباح ودخول الوقت إنما يدرك بالبصر، مما يفقده ابن أم مكتوم، فلا بد أن يقال له ذلك، بخلاف بلال فإنه يدرك الصبح بنفسه، فلا يحتاج إلى أن يقال له: أصبحت، فهو يؤذن الأذان الأول لصلاة الصبح قبل دخول الوقت الذي هو لإيقاظ النائم، وأما الأذان الثاني الذي به تحل الصلاة ويحرم الأكل بالنسبة للصائم فهو أذان ابن أم مكتوم، وليس معنى قوله: أصبحت أصبحت أنه بان الصبح بياناً بحيث يكون من أكل فيه أكل في الصبح أو أكل في النهار إنما يقال له: دخل الوقت، كما أن الأذان الآن لا يؤذن المؤذن حتى ينظر في التقويم؛ لأنه ليست له وسيلة إلا هذا، ابن أم مكتوم أعمى ليست له وسيلة إلا أن يخبر بدخول وقت صلاة الصبح.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" متفق عليه".