رأي ابن عباس في قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة] الجمهور على أن الفطر مع الإطعام بالنسبة للقادر على الصيام هو منسوخ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] كان في الأمر الأول على التخير من شاء صام ومن شاء أطعم مع القدرة {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [(184) سورة البقرة] ابن عباس يرى أن الآية ليست منسوخة، وإنما هي في حق الشيخ الكبير يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، الشيخ الكبير لا يخلو إما أن يكون قادراً على الصيام، وحينئذٍ يلزمه أن يصوم؛ لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وإن كان غير قادر على الصيام صار كالمريض الذي لا يرجى برؤه، فالمريض والمسافر يفطران، والحامل والمرضع تفطران، لكن الذي يستطيع القضاء لا يجزئه الإطعام، والذي لا يستطيع القضاء من كبير، من شيخ كبير هرم، أو مريض لا يرجى برؤه فإن هذا يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من طعام، ولا قضاء عليه؛ لأنه لا يستطيع ولا يرجى برؤه كالمريض.

"رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري" العلماء ينصون على أن هذا من دقيق فقه ابن عباس، يعني الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [(184) سورة البقرة] الذين يطيقونه، والإطاقة التحمل والاستطاعة، كيف نحمل هذا على شخص لا يطيقه، شيخ كبير؟ لأن الكبر والشيخوخة ليست بوصف مؤثر في الصيام، إنما المؤثر الطاقة والقدرة أو عدم الطاقة والقدرة، فبأي وجه قال أهل العلم إن هذا من دقيق فقه ابن عباس؟ ابن عباس ليجعل الآية محكمة وليست منسوخة، ولا شك أنه إذا أمكن حمل النص ولو على وجه، هو أولى من إلغاء النص، وقول ابن عباس يجعلنا نحمل هذا النص على وجه وهو حمله على الشيخ الكبير أولى من أن نجعله منسوخاً، ملغى من كل وجه، مرفوع الحكم عن كل أحد.

وعلى كل حال قول الجمهور واضح والظاهر يدل عليه؛ لأن الطاقة هي القدرة، فالذي يطيقه يلزمه الصيام، ولا يجوز له أن يفدي، ويترك الصيام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015