"أرى مداً من هذا يعدل مدين" وعلى كل حال هذا اجتهاد من معاوية -رضي الله عنه-، وخولف في اجتهاده، وافقه من وافقه، وخالفه من خالفه، والأصل ما كان يدفع في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسمراء التي جاءت في عهد معاوية هي داخلة في قوله: "صاعاً من طعام" فلا يجوز دفع أقل من الصاع لا من السمراء ولا من غيرها، ومعاوية -رضي الله عنه وأرضاه- اجتهد، وله أجر اجتهاده، لكن الصواب في قول غيره.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ: أو صاعاً من أقط، وقال أبو داود: حدثنا حامد بن يحيى قال: حدثنا سفيان، قال: وحدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً، قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاع تمر، أو شعير، أو أقط، أو زبيب" يعني لا أقلل مما كنت أخرجه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني الناس مع طول العهد قد يتنازلون عن بعض الأمور، لكن العبرة بما كان في عهده -عليه الصلاة والسلام-.
"لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا هو تمام الاتباع، بل هذا هو الاتباع بعينه، والنقص من ذلك نقص بالاتباع، ولو اجتهد من اجتهد، ولو كان هذا المجتهد ممن تبرأ الذمة بتقليده، ولو كان ولياً من أولياء الأمور، إذا كان فعله يخالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن معاوية هو ولي الأمر، وهو إمام المسلمين، وعدل الصاع مما ذكر بنصف صاع بمدين من السمراء، ومع ذلك خالفه أبو سعيد والحق معه؛ لأن العبرة بما كان على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عبرة بقول من خالفه كائناً من كان.
"هذا حديث يحيى، زاد سفيان بن عيينة فيه: أو صاعاً من دقيق" الدقيق ليس بمحفوظ، بل هو لفظ منكر شاذ تفرد به سفيان "قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان" لما خالفه الناس تركه بعد أن ضبط عنه، وحدث به عنه، ثم بعد ذلك تركه.