"إذا كانت للتجارة" هذا قيد، ومؤثر، ومر بنا مراراً أنه إذا تعقب القيد المؤثر أو الاستثناء أو الوصف المؤثر أكثر من شيء هل يعود إليها جميعها، أو يعود إلى الأخير منها؟ لأن كلام أهل العلم ينبغي أن يكون دقيقاً مضبوطاً بضوابط العلم، الآن الترجمة عندنا "باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة" وعلى الخلاف الذي ذكرناه سابقاً، كونه يعود على الأخير، هذا أمر متفق عليه، العروض لا بد أن تكون معدة للتجارة، لكن الحلي هل يشترط أن يكون للتجارة أو لا؟
لا خلاف بين أهل العلم أن الحلي إذا أعد للتجارة أن فيه الزكاة، هذا محل إجماع، لكن إذا لم يعد للتجارة أعد للبس والاستعمال، القيد في الترجمة يخرجه، إذا قلنا: إنه يعود إلى الجملتين معاً، إلى الحلي، يعود إلى اللفظين، إلى الحلي والعروض، شريطة أن تكون للتجارة، مفهوم ذلك أنه إذا لم يكن الحلي ولم تكن العروض للتجارة أنه لا زكاة فيه، مع أن المؤلف في الترجمة لم يصرح لا بوجوب الزكاة، ولا بعدم وجوبها، إنما الأحاديث التي ذكرها تبين مراده من ذلك، فحديث أم سلمة في الحلي المعد للاستعمال، ومع ذلك فيه الزكاة، وأما بالنسبة للعروض فسيأتي الكلام فيها، وهو طويل لأهل العلم.
والكلام في المسألتين لا يسلم من إشكال؛ لأن الأدلة في المسألة الأولى وهي مسألة الحلي متعارضة، وتكاد أن تكون متعادلة، وهي في نظر الشنقيطي -رحمة الله تعالى عليه-، وهو أفضل من بحث المسألة في أضواء البيان من حيث الأثر والنظر، وفي الأخير قال: هي متساوية، وإخراج الزكاة في الحلي إنما هو من باب الاحتياط، يعني لا من باب الوجوب والإلزام؛ لأن الأصل براءة الذمة، والقاعدة أن ما أعد للقنية والاستعمال ولو علت قيمته أنه لا زكاة فيه ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) ولا أحد من أهل العلم يقول: إن البيت الذي يسكنه، أو السيارة التي يركبها، ولو كانت غالية الثمن أن فيها زكاة، فكل ما يعد للاستعمال والقنية هذا لا زكاة فيه.
على كل حال الأحاديث ذكر منها المؤلف حديث أم سلمة، وفي الباب أيضاً عن عائشة وعبد الله بن عمرو، والأحاديث الثلاثة كلها يستدل بها من يقول بوجوب الزكاة، زكاة الحلي، وهو قول الحنفية.