وعرفنا فيما تقدم أن الخصوص والعموم ليس مطلقاً لنقول مثل هذا الكلام، أو نرجح كلام الشافعية أو كلام الجمهور، لا، العموم والخصوص وجهي، سبق أن بسطنا هذه المسألة في أكثر من مناسبة، العموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى مرجح خارجي وليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول غيرهم لنرى من يدخل المسجد في آخر لحظة من العصر، أو مع طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول قول الجمهور أبداً؛ لأن ما يمكن أن يقوله الشافعية من أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، يقول غيرهم بالعكس، أحاديث ذوات الأسباب: ((إذا دخل أحدكم المسجد)) في أي وقت من الأوقات هذا عام، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين أخص منه: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" فالعموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى -كما تقدم- مرجح خارجي، فإما أن يقال كما قال الجمهور: الحظر مقدم على الإباحة فيمنع من فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، أو يقال: إن أحاديث النهي دخلها من المخصصات أكثر مما دخل مثل هذا الحديث، فالعموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله التخصيص غير المحفوظ.
وعلى كل حال المسألة من عضل المسائل، يعني ليست بالسهلة بحيث يسأل الشخص ويقول: عام وخاص، والخاص مقدم على العام، لا، المسألة من تأملها ونظر فيها بدقة يجد أنها مشكلة، ومن عضل المسائل، يعني حتى قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في وقت النهي؛ لأن عليك حرج عظيم، إن صليت خالفت، وإن جلست خالفت، وبعضهم يقول: إذا دخلت المسجد لا تجلس لأنك إن جلست خالفت وإن صليت خالفت، وخلصنا فيما تقدم إلى أن النهي في الأوقات المضيقة شديد، ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وفي الأوقات الثلاثة المضيقة تتحقق العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وهي مشابهة الكفار الذي يسجدون للشمس عند طلوعها وعند استوائها وعند غروبها، أما في الوقتين الموسعين فالأمر فيهما أخف.