الوشاح الذي اختطفته الحدياة، ثم اتهمت به الجارية، ثم ألقته الحدياة، عجيبة من العجائب؛ لماذا لم تلقه الحدياة في مكان بعيد؟ يعني هل قصد الحدياة براءة هذه الوليدة والجارية؟! وهل تدرك مثل هذا؟! أو تدرك أنه لما كان لا نفع فيه بالنسبة لها أرجعته إلى أهله؟! هل تدرك الحدياة مثل هذا؟! إلا أن الله -جل وعلا- ساقها إلى أن تعيده إلى مكانه لإظهار براءة هذه الجارية المتهمة ظلماً وزوراً وعداوناً.
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
نعم أنجاها من بلدة الكفر، صار سبباً في إسلامها، فالمحنة انقلبت منحة، يعني ماذا عما لو لم يحصل هذا الاتهام، واستمرت عند هؤلاء القوم على كفرها خسرت الدنيا والآخرة، لكن حصل عليها هذا الضرر وهذا النقص وهذا الاتهام، لكن النتيجة أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟! قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري".
والشاهد منه أنه كان لها خباء في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبمرأى منه -عليه الصلاة والسلام-، وبإقرار منه -عليه الصلاة والسلام-، فدل هذا على جواز اتخاذ الخباء والبيت الصغير الذي لا يضيق على المصلين للوافد الغريب، سواءً كان ذكراً أو أنثى، إذا أمنت الفتنة، ولم يخش منه، ولم يخش عليه.
قال -رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) " البزاق: بالزاي والصاد والسين مثل الصراط، البزاق: هو ما يخرجه الإنسان من فمه، ويسمى قبل إخراجه ريق، وإذا أخرج سمي بصاق، أو بزاق، أو بساق بالسين، سواءً كان تحلب من الفم كالريق، أو ما هو أشد من ذلك مما يصعد من الصدر، أو ينزل من الدماغ، كله بصاق.
((في المسجد خطيئة)) لأنه وإن كان طاهراً إلا أنه مستقذر، لا يرضاه الإنسان في بيته، وفي مكان استقباله لضيوفه، هذا لا يرضاه إنسان لنفسه، فكيف يرضاه لبيت الله، ما دام الأمر مستخبث ومستقذر، وإن كان طاهراً فلا يرضى مثل هذا، والنفوس تستقبح مثل هذا.