فالعلم يدل على الذات فقط دون وصف، وهذا معنى قول النحاة: الأعلام جامدة في الأصل. يعني: أعلام البشر ما عدا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالأعلام جامدة بمعنى أنها لا تدل إلا على الذات فقط، ولا تدل على وصف يتعلق بالذات فزيد مدلوله الذات فقط، وعبد الله مدلوله الذات فقط، ولا يدل على وصف العبودية البتة، كذلك تأبط شرًا، تأبط شرًا يعني: جعله في إبطه، تأبط فعل ماضي، والفاعل هو، وشرًا مفعول به، تدل على معنى أو لا؟ تدل على معنى مركب، لكن لما جعل علمًا سلب منه المعنى السابق، تأبط شرًا مثل زيد يدل على الذات فقط ولا يدل على الشر ولا على التأبط ولا على غيره، وإنما دل على ذلك قبل جعله علمًا، حيوان ناطق لو سمي زيد أو سمي شخص بحيوان ناطق حينئذٍ نقول: حيوان كونه متصفًا بالحيوانية، وناطق كونه متصفًا بالناطقية، ويقول لك: تعريف الإنسان: حيوان ناطق، فلو سمي بهذا حينئذٍ نقول: سلب عنه المعنى السابق فصار المعنى السابق نسيًا منسيًا. إذًا هذه الألفاظ الثلاثة عبد الله، وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، لها أجزاء فعبد الله مؤلف من جزأين عبد ولفظ الجلالة، الجزء عبد لا يدل على ما دل عليه لفظ عبد الله علمًا لأنه لا يدل إلا على الذات، كذلك تأبط شرًا جملة فعلية ولم تدل إلا على ذات زيد لأنه صار علمًا، وأما قبل جعله علمية فله معنى آخر والكلام في كونه علمًا، والحيوان الناطق مركبًا تركيبًا توصيفيًّا لا يدل بعد جعله علمًا على ما دل عليه قبل العَلَمِيّة، إذًا له جزء؟ نعم له جزء، وهو حيوان هذا جزء، وناطق هذا جزء، لا يدل لفظ الحيوان على مسمى الحيوان الناطق، لماذا؟ لأن هذه الألفاظ عبد والحيوان وتأبط مثل زاي زيد (ز) لا تدل على شيء البتة، واضح هذا؟ إذًا ما له جزء لكن هذا الجزء لا يدل يعني: على جزء المعنى الذي دل عليه اللفظ، فالعرب وضعت اللفظ زيد لمدلول هو الذات لو جيء بلفظ (ز) فقط لا يدل على شيء مما دل عليه زيد فهو الذات، وكذلك فيما تلاه من الأسماء، (لا يدل كزيد، وعبد الله، وتأبط شرًا، والحيوان الناطق، أعلامًا) يعني حال كونها الثلاثة المتأخرة أعلام، وأما زيد فهو علم، (وما يتوهم من دلالة أجزاء الأعلام الأخيرة) عبد الله وتأبط شرًا والحيوان الناطق هذا يتوهم الناظر أنها تدل على معنى نقول: هذا المعنى متى؟ قبل جعله علمًا، وأما بعد جعله علمًا فلا فرق بين الأربعة البتة، فعبد مثل (ز) من زيد، وتأبط تأبط جزء مثل (ز) من زيد، والحيوان الناطق الحيوان جزء لكنه مثل (ز) من زيد فلا يدل على شيء مما دل عليه اللفظ كله، قال: (وما يتوهم من دلالة أجزاء الأعلام الأخيرة فإنما كان). يعني: الدلالة. (قبل جعلها أعلامًا)، فهي أوصاف لأن المركب الإضافي، والجملة الفعلية، وكذلك الاسمية، والمركب التصريفي لها دلالات، أما قبل جعلها أعلامًا، (أما بعده) يعني بعد نقله وجعلها أعلامًا. (فصارت أجزاؤها كزاي زيد لا تدل على شيء) البتة (لا تدل على شيء ودلالتها السابقة) قبل جعلها علمًا (صارت نسيًا منسيًا) حينئذٍ تكون هذه الدلالة غير مقصودة، وإنما كانت قبل جعلها أعلامًا، إذًا ما حقيقة المركب؟ قال: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ** جُزُءِ مَعْنَاهُ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015