يعني: التصورات مقدمةٌ على التصديق، لأن التصديق مركب، والتصورات مفردات بالنسبة للتصديق، لأنه إدراك مفرد، وذاك إدراك مركب، والعلم بالمفردات مقدمٌ على العلم بالمركبات، فهو سائر على طبيعة الإنسان، فلا يحتاج أن ينظر في مركب إلا إذا علم المفردات، (وَقَدِّمِ) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب وهو كذلك يعني واجبٌ صناعةً لا شرعًا، (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ) أي التصور على التصديق، والمراد أنه يجب تقديم ما يتعلق بالتصور على ما يتعلق بالتصديق، [(عِنْدَ الوَضْعِ) أي في الذكر والكتابة والتعلم والتعليم، كما وقع في المتن من تقديم التصور في التقسيم]. إذًا المفردات مقدمةٌ على المركبات (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ) لماذا؟ [(لأَنَّهُ) أي التصور (مُقَدَّمٌ) على التصديق (بِالطَّبْعِ) أي بحسب اقتضاء طبيعة التصور أي حقيقته]، لأن حقيقة التصور إدراك المفرد، والمفرد مقدمٌ على المركب، وكل ما كان مقدمًا بالطبع يناسب أن يقدم في الوضع ليناسب الوضع الطبع كما مر معنا كثيرًا، [والمقدمُ بالطبع هو الذي يحتاج إليه المتأخر من غير أن يكون المتقدم علةً فيه] يعني يكون الثاني مرتبًا على الأول من غير أن يكون الأول علةً في وجوده، [كتقديمِ الواحد على الاثنين] إذا أردت أن تَعُدّ واحد، اثنان، ثلاثة. الواحد مقدم على الاثنين، لكنه ليس علةً فيه، الثاني مرتب على، المتأخر الثاني مرتب على ذكر الأول الواحد، لكن الأول الذي هو الواحد ليس علةً في وجود الثاني. هذا المراد به، [والاثنين على الثلاثة]، وليس في الاثنين علةً في وجود الثلاثة بل تدرك الثلاثة دون الاثنين، [ولاشك أن التصور شرطٌ للتصديق أو شطرٌ له] على القول الآخر، [وطبيعة الشرط تقتضي التقدم على المشروط]، ولذلك نقول: وقدم المصنف كتاب الطهارة على الصلاة لأنها شرطٌ فيه، والعلم بالشرط مقدمٌ على العلم بالمشروط. هو هذا الذي يذكره هنا، [وطبيعة الشرط تقتضي التقدم على المشروط، كما أن طبيعة الشطر أي الجزء، تقتضي التقدم على الكل] العلم بالأجزاء مقدمٌ على العلم بالكل، ولذلك يقدم بعض النحاة أقسام الكلمة على تعريف الكلام، وهذا مر معنا أنهم يختلفون منهم من يقدم الكلمة وتعريفها ويقسمها ثم بعد ذلك يبين لك الكلام، لأن الكلام يؤخذ في حده التركيب مركب من ماذا؟ من اسمين أو فعلٍ واسمٍ إلى آخره، [وليس الشرط علةً للمشروط، لأنه لا يلزم من وجُودِه وجُودُه]، الشرط ليس علةً للمشروط نعم، لأنه لا يلزم من وجُودِه وجُود الشرطِ وجود المشروط قد يتطهر ولا يصلي لفوات الوقت مثلاً، [وكذا الشطر ليس علةً للكل وهو ظاهرٌ] إذًا يقدم التصور أو العلم أو ما يتعلق بالتصورات على ما يتعلق بالتصديقات.
- - -
وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ ... وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي