(وَاللهَ أَرْجُو أنْ يَكُونَ خَالِصَا) اللهَ منصوب على التعظيم، والمراد المنصوب على التعظيم أنه مفعول به، ولكن المعربون يتحاشون لفظ مفعول به، ويقولون: منصوب على التعظيم. أدبًا وإلا هو الذي يصدق عليه حد المفعول به، وإنما يقال: منصوب على التعظيم. من باب التأدب مع الله تعالى (منصوب على التعظيم أي لا غيره كما استفيد من تقديم المعمول)، (وَاللهَ أَرْجُو) الله مفعول به مقدم، (أَرْجُو) هذا عامله متأخر، وتقديم المعمول على العامل قد يؤذن للقصر والحصر، حينئذٍ الله لا غيره وأرجو ... {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يعني لا أعبد إلا إياه {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، لا أستعين إلا بك، (وَاللهَ أَرْجُو) لا أرجو إلا الله، من أين أخذ هذا الفهم؟ من تقديم ما حقه التأخير، وهو من وسائل القصر والحصر عند البيانيين إثبات الحكم في المذكور ونفيه عن ما عداه، إثبات الحكم في المذكور وهو الله عز وجل، والحكم هو الرجاء والأمل ونفيه عن ما عداه نفي الرجاء عن ما عدا الله عز وجل، فلا يتعلق إلا بخالقه جل وعلا، [(أَرْجُو) أي أؤمل منه لا من غيره. (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف، (خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة] يعني خالصًا مما يبطل العمل، لأن التأليف في العلوم الشرعية وهو يرى أنه من العلوم الشرعية التأليف فيه يكون من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة لا بد فيها من نية من أجل أن يترتب الثواب على ذلك، فإذا كان ليس ثَمَّ نية فلا أجر، فإذا وجدت النية وخالطها شيء من مفاسد أو عوائق النية، حينئذٍ لا ثواب أو ينقص من الثواب بقدر ما خالطه، [(خَالِصَا) من الرياء وحب الشهرة والمحمدة]، لأن التعليم والتعلم هذا من أعظم الوسائل في السعي إلى الرياء وحب الشهرة والمحمدة، (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ) قال: [أي ذاته]. [(لِوَجْهِهِ) أي ذاته]، وهذا التخصيص إنما أراد به الناظم كغيره لأنه أشعري أراد نفي صفة الوجه عن الله عز وجل، وهذا تحريف وليس بتأويل، لأن الله عز وجل أثبت صفة الوجه له جل وعلا {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، إذًا ما دام أن الله تعالى أثبت لنفسه صفة الوجه وهو أعلم بنفسه من غيره، وأثبتها له النبي - صلى الله عليه وسلم - له جل وعلا، وهو أعلم الخلق بربه جل وعلا، فما بالنا نحرف ونبدل عما أراده الله عز وجل، إذًا لوجهه المراد به صفة الوجه، وهي صفة من الصفات الخبرية التي لولا السمع لما وصل العقل إلى إدراكها، بخلاف الحياة مثلاً والوجود، هذا قد يصل العقل إلى إدراكها، ولكن بعض الصفات الخبرية التي لولا السمع لما استطاع العقل أن يصل إليها نقول: هذه صفة خبرية، وهي التي باعتبار الناس أو المخلوق أجزاء وأضعاف، [(الكَرِيمِ) أي المعطي على الدوام (لَيْسَ) ذلك التأليف (قَالِصَا)]، (لَيْسَ) نعم.