(أَجَلُّهَا) أي أقواها [أي أقسام الحجة]، أجلها أي أقوى أقسام الحجة [(البُرْهَانُ) فالجدل فالخطابة فالشعر فالسفسطة]، يعني على التوالي، البرهان أقواها لأنه يتركب من مقدمات يقينية وهذه أعلى الدرجات، ويليه الجدل لأنه يتركب من مقدمات قريبة من اليقين يعني إما مشهورة أو مسلمة، ثم الخطابة لأنها تتركب من مقدمات مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، ثم السفسطة وهي الكذب. [وعرف البرهان بقوله: وهو (مَا أُلِّفَ) أي رُكِّب] وهو ما أي قياس ألف [أي ركب من مقدمات (بِاليَقِينِ تَقْتَرِنْ)] يعني مقدمات يقينية [أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره]، يعني إما مظنونة وإما وهمية .. إلى آخره وإنما الذي يختص بالمقدمات اليقينية هو البرهان، ولذلك عناية المناطقة وكذلك أرباب الكلام والأصوليين بالبرهان آكد، أي مقدمات اليقينية [نعم] أي يقينية فخرج به باقي أقسام الحجة من الجدل وغيره، ثم بَيَّنَ ما هي المقدمات اليقينية؟ متى نحكم على أن هذه يقينية؟ أجلها البرهان ما ألف من، أجلها البرهان مبتدأ وخبر أجل البرهان، أجل هذه الأقسام البرهان، مبتدأ وخبر، (مَا) أي هو الذي ألف، إذًا (مَا) خبر لمبتدأ محذوف من مقدمات ألف من مقدمات متعلق بقوله: (أُلِّفَ)، تقترن باليقيني يعني يقينية لأن الجملة صفة لمقدمات، مقدمات يقينية، مقدمات هذه شملت الضرورية والنظرية والعقلية والنقلية لأنها عامة، لأنها البرهان كما يكون في العقل يكون في النقل على الصحيح، ثم الضروريات هذه واضحة لأنها يقينية، النظرية سبق أنها لا بد أن تنتهي إلى ضرورة، فإذا كان كذلك حينئذ صار التركيب أو صح تركيب المقدمات النظرية في البرهان.
مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ
وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِينِيَّاتِ
وهي ستة:
أوليات الأول.
مشاهدات الثاني.
مجربات.
متواترات أربعة.
وحدسيات.
ومحسوسات.
هذه ستة، إذًا جملة اليقينيات ستة وليست كلها متفق عليها، بل بعضها مختلف فيها، والصحيح أنها مظنونة، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بدل من قوله: (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، (مَا أُلِّفَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) جار ومجرور بدل من قوله: (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ)، [(مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) أي المقدمات اليقينية هي الأوليات] بالنسبة إلى الأول [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره]، يعني بمجرد تعقل الطرفين حكم العقل، لا يحتاج إلى واسطة، يعني مشاهد ينظر يبصر ويحتاج أن العقل يحكم. إذًا حكم بواسطة الحس مع العقل، أما الأوليات فهي البدهيات التي مباشرة يحكم فيها العقل بين الطرفين، فهي القضايا التي يدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، [أي الضروريات التي لا يتوقف حكم العقل فيها على استعانة بحس أو غيره، بل بمجرد تصور الطرفين يحكم العقل فيها كقولنا]: ماذا؟ [الواحد نصف الاثنين]، نحتاج إلى دليل؟ [والكل أعظم من الجزء] هذه من الأوليات البدهيات، فالعقل يحكم فيها بمجرد تصور الواحد والاثنين، وبمجرد تصور الكل والجزء يحكم بأن الكل أكبر من الجزء، والجزء أصغر من الكل، هذا النوع الأول.