لا زال الحديث في (بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا) عرفنا أن القضايا جمع قضية، وأن تعريفها عند المناطقة هو تعريف الخبر عند البيانيين وكذلك النحاة (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ)، يعني: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، ويسمى قضية باعتبار اشتمال الجملة على القضاء، وهو: الحكم. ويسمى خبرًا باعتبار الصدق والكذب.
ثم قسم لنا الناظم كغيره القضية التي هي القضية الخبرية، أما الإنشائية فلا ليست داخلة معنا، إنما القضية الخبرية قسمها إلى قسمين: شرطية، وحملية.
والشرطية هي التي حكم فيها على وجه الشرط والتعليق.
والحملية هي التي حكم فيها على وجه الحمل.
هذان الحدان أولى مما اشتهرا من تعريف الشرطية أو الحملية [بأنها ما ليس] الشرطية: (وهي: ما ليس طرفاها مفردين ولا في قوتهما)، لأن هذا منقوض بأن الشرطية قد تؤلف من مفردين وكل مفرد منهما بالقوة، كقولك في المتصلة: هذا ملزوم لذاك. وفي المنفصلة: عدد إما زوج أو فرد هذا معاند لذاك. إذًا وجد فيهما في الشرطية بنوعيها المتصلة والعنادية أو المنفصلة وجد فيهما الطرفان بالقوة، وإذا كان كذلك انتقض الحد، والصحيح في تعريف الشرطية ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليم، يعني: لا بد من أداة شرط، لا بد فيها من أداة شرط وتعليق، ثم قد يكون بين الشرط والمشروط التلازم وقد يكون غير لازم، والحملية هي ما كان مفرداها، أو طرفاها مفردين، أو في قوتهما زَيْدٌ قَائِمٌ، زيد موضوع وقائم محمول، حينئذٍ نقول: طرفاها مفردان، زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ، نقول: هذا أحد الطرفين الموضوع مفرد حقيقةً، والمحمول مفرد بالقوة، إذًا شرطية وحملية.
ثم قسم لنا الحملية إلى قسمين: كلية، وشخصية. والمراد بالكلية هنا بالنسبة إلى الموضوع، يعني: ننظر إلى الموضوع، هل هو كلي أفهم اشتراكًا أم جزئي لم يفهم اشتراكًا؟ فإن كان الأول فهي كلية، بقطع النظر عن كونها مسورة أم لا، فدخل في الكلية ثلاثة أنواع: كلية المسورة بسور كلي، الكلية المسورة بسور جزئي، المهملة. يعني: لم تسور بسور كلي ولا جزئي، مع المشخصة التي موضعها لم يفهم اشتراكًا كزيد كاتب صارت كم؟ أربعة، واضح؟ وكل من هذه الأربعة إما موجبة وإما سالبة، أربعة في اثنين بثمانية، إذًا الحملية تنقسم إلى ثمانية أقسام عند التفصيل. (وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى) متى نحكم عليها بأنها جزئية أو كلية؟ بالنظر إلى السور، فإن كان السور كليًّا بمعنى أنه يدل على الإحاطة والشمول، حينئذٍ قلنا: هذه مسورة بسور كلي. والمشهور لفظ كل وما دل على معناه، يعني: ما أفاد الشمول كالجميع وعامة وقاطبة وطُرًّا ونحو ذلك، وإن كان دالاً على البعض، يعني: ليس على الشمول وإنما على بعض الأفراد، فالسور حينئذٍ يكون جزئيًّا، كبعض كلفظ بعض فريق طائفة منهم، نقول: هذا كله يدل على البعضية.
(وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى)، يعني: السور إما كلي وإما جزئي، والكلي إما سالب وإما موجب، والجزئي إما سالب وإما موجب، اثنان في اثنين بأربعة، أربع أقسامه ثم مثل لذلك.
ثم قال: ...
وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ ... وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ