تقدم، فِي الْكَلَام على الْقَاعِدَة الثَّانِيَة، أَن كَون الْعبْرَة للمعاني يجْرِي فِي الدَّعَاوَى والخصومات أَيْضا، فَكَأَنَّهُ بِدَعْوَى الْقدَم يَدعِي مُرُور الزَّمن مضاعفاً، وَلم يجْعَلُوا لَهُ، وَالْحَالة هَذِه، غير كَون القَوْل قَوْله فَقَط، وَلم يجْعَلُوا الْبَيِّنَة بَينته بل جعلُوا الْبَيِّنَة بَيِّنَة مدعي الْحُدُوث بِلَا اسْتثِْنَاء.

وَلَو قُلْنَا بِتَقْدِيم بَيِّنَة مُرُور الزَّمن لم يبْق من فَائِدَة لتدوين مَا بني على اعْتِبَار الْقدَم والحدوث من الْأَحْكَام، ولأصبح كثير من مواد الْمجلة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا سدى ومعطلاً عَن الْعَمَل بِهِ، كهذه الْمَادَّة وَالَّتِي بعْدهَا، ومادة / 1224 و 1228 و 1229 و 1230 و 1232 /، وَلَيْسَ ادِّعَاء ذَلِك والإقدام عَلَيْهِ بِالْأَمر السهل! .

وَلقَائِل أَن يَقُول بِتَقْدِيم بَيِّنَة مدعي مُرُور الزَّمن وَذَلِكَ لِأَن مدعيه يَدعِي عدم صَلَاحِية الْحَاكِم لرؤية الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة يُنَازع الْحَاكِم فِي ذَلِك قبل الدُّخُول فِي الدَّعْوَى، فَإِذا ثَبت مُرُور الزَّمن تبين أَن الْحَاكِم لَيْسَ بحاكم فِي هَذِه الدَّعْوَى، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْقدَم دون مُرُور الزَّمن فَإِنَّهُ يكون حِينَئِذٍ قد اخْتَار جِهَة الدُّخُول فِي الدَّعْوَى، وَأجَاب خَصمه عَنْهَا، وَذَلِكَ مِنْهُ تَسْلِيم لصلاحية الْحَاكِم لسَمَاع الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَحَيْثُ كَانَ خَصمه يَدعِي الْحُدُوث فَالْبَيِّنَة بَينته، وَهَذَا بِلَا شكّ أوجه وأمتن. وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015