كَانَ، فَلَو رجعُوا خَارج مجْلِس الْحَاكِم لَا يلْتَفت إِلَى رجوعهم مُطلقًا، سَوَاء كَانَ قبل الحكم أَو بعده (ر: الْمَادَّة / 1731 من الْمجلة) .
وَأما لَو رجعُوا فِي حُضُوره: فَإِن كَانَ قبل الحكم بِشَهَادَتِهِم ترد لِأَنَّهُ لَا يقْضى بِكَلَام متناقض ويعزرون، وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم لأَنهم لم يتلفوا بِشَهَادَتِهِم شَيْئا. وَإِن كَانَ بعد الحكم بهَا لَا ينْقض حكم الْحَاكِم الَّذِي صدر قبل الرُّجُوع، لِأَن كَلَامهم الثَّانِي مثل الأول فِي احْتِمَال الصدْق، فَينْظر حِينَئِذٍ فِيمَا يرجح أحد الْكَلَامَيْنِ على الآخر، وَقد ترجح الأول باتصال الْقَضَاء بِهِ، وَالْقَضَاء يصان عَن الإلغاء مَا أمكن، فَلَا ينْقض برجوعهم هَذَا وَلَكِن يضمنُون للْمَشْهُود عَلَيْهِ مَا تلف بِشَهَادَتِهِم لأَنهم لما رجعُوا بعد الْقَضَاء فقد أقرُّوا على أنفسهم بِالْإِتْلَافِ، والإتلاف سَبَب للضَّمَان. وكونهم متناقضين لَا يُنَافِي مؤاخذتهم، لِأَن التَّنَاقُض لَا يمْنَع صِحَة الْإِقْرَار، كَمَا لَو أنكر الْخصم ثمَّ أقرّ فَإِنَّهُ يعْمل بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بمتهم فِيهِ (ر: الْمرْآة، والدر الْمُخْتَار، من بَاب الْفُضُولِيّ) .
وكما يضمن الشُّهُود بِالرُّجُوعِ بعد الْقَضَاء يضمنُون إِذا ذكرُوا فِي شَهَادَتهم شَيْئا لَازِما للْقَضَاء وَقضي بهَا، ثمَّ ظهر الْأَمر بِخِلَافِهِ. كَمَا لَو شهدُوا لمن يحجب بِغَيْرِهِ من الوراثة أَنه وَارِث، ثمَّ ظهر أَنه غير وَارِث وَأَن الْوَارِث غَيره، فَإِن الْوَارِث مُخَيّر بَين تضمين الشُّهُود أَو الْمَشْهُود لَهُ. وَكَذَلِكَ لَو شهدُوا أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، فقضي عَلَيْهِ، ثمَّ برهن على إِبْرَاء الدَّائِن، فَإِن الْمقْضِي عَلَيْهِ مُخَيّر فِي تضمين الشُّهُود أَو الْمَشْهُود لَهُ، بِخِلَاف مَا لَو شهدُوا بقرض فَقَط فقضي عَلَيْهِ، ثمَّ برهن على الْإِبْرَاء، فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ على الشُّهُود وَإِنَّمَا يضمن الْمَشْهُود لَهُ.
(ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الرَّابِع عشر) .
وَإِن كَانَ التَّنَاقُض فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالشَّهَادَة، كَمَا لَو ادّعى على آخر ألفا ثمن مَبِيع فَشهد الشُّهُود بِأَنَّهُ قرض، أَو ادّعى ملك الشَّيْء بِالْإِرْثِ من وَالِده فَشَهِدُوا أَنه ملكه بِالْإِرْثِ من أمه، أَو ادّعى بِأَلف قِرْش ذَهَبا فَوَافَقَ أحد الشُّهُود وَخَالف الآخر فَشهد أَنَّهَا فضَّة وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْبَيِّنَة فِي جَمِيع ذَلِك لَا تعْتَبر (ر: الْمَادَّتَيْنِ / 1711 و 1712 من الْمجلة) .