يكون الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهَا يَدعِي أمرا وجودياً، بل هُوَ خَاص بِغَيْر الْغَصْب. فَلَو ادّعى الْمَالِك أَن قيمَة الْمَغْصُوب كَذَا، وَادّعى الْغَاصِب أَن قِيمَته كَذَا (لمبلغ أقل مِنْهُ) وَعجز الْمَالِك عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على مدعاه وَطلب يَمِين الْغَاصِب على نفي دَعْوَاهُ فَأَرَادَ الْغَاصِب أَن يُقيم البنية على أَن قِيمَته كَمَا زعم هُوَ، لَا تسمع مِنْهُ على الصَّحِيح مَعَ أَن مَا يَدعِيهِ أَمر وجودي. فقد كتب الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي حَاشِيَته على الدُّرَر (أَوَائِل فصل " غيب مَا غصبه " من كتاب الْغَصْب) مَا لَفظه: (قَوْله: إِن برهن الْمَالِك " أَي على الزِّيَادَة الَّتِي يدعيها فِي قيمَة الْمَغْصُوب " قبل، وَإِلَّا صدق الْغَاصِب بِيَمِينِهِ فِي نفي الزِّيَادَة) يُشِير إِلَى عدم قبُول بَيِّنَة الْغَاصِب، وَبِه صرح فِي النِّهَايَة؛ قَالَ: لَا تقبل لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَة وَالْبَيِّنَة على النَّفْي لَا تقبل. قَالَ بعض مَشَايِخنَا: يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْغَاصِب لإِسْقَاط الْيَمين عَن نَفسه كَالْمُودعِ على رد الْوَدِيعَة. وَكَانَ القَاضِي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة عدت مشكلة، وَمن الْمَشَايِخ من فرق بَين مَسْأَلَة الْوَدِيعَة وَبَين هَذِه وَهُوَ الصَّحِيح، وَكتب الْمولى عبد الْحَلِيم، تَحت قَول الدُّرَر: " وَإِن برهن الْمَالِك قبل وَإِلَّا صدق الْغَاصِب " مَا لَفظه: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْغَاصِب لَو برهن على قِيمَته فللمالك أَن يحلفهُ وَلَا يقبل برهانه، كَمَا فِي الْخُلَاصَة نقلا عَن الأَصْل. وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: يَنْبَغِي أَن يقبل لإِسْقَاط الْيَمين، كَالْمُودعِ إِذا رد الْوَدِيعَة فَإِن القَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين، وَلَو برهن على ذَلِك قبل، وَكَانَ القَاضِي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ يَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدِي مشكلة، وَمن الْمَشَايِخ من فرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الْوَدِيعَة وَهُوَ الصَّحِيح، وَقد رد الْفرق بعض الْمُحَقِّقين وَصحح الْقيَاس عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من رد الرَّد. أَقُول: فِي مثل هَذَا الْعَمَل بالرواية، وَهِي مَا فِي الْخُلَاصَة، وَقد سبق نَظَائِره. انْتهى. وَلم يبْق بعد تَصْحِيح القَاضِي النَّسَفِيّ مقَال لقائلٍ.
وَالظَّاهِر أَن مَا قيل فِي الْغَصْب يُقَال مثله فِي كل مَا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهِ مُتَعَدِّيا، كدعوى قيم الْمُتْلفَات وقيم الْأَمَانَات الَّتِي ضمنت للتقصير فِي حفظهَا، وكالتنازع فِي قدر الْخِيَانَة فِي الْمُرَابَحَة وَمَا شاكلها، فَلَا تسمع بَيِّنَة الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهَا على مَا يزعمه لإِسْقَاط الْيَمين عَنهُ.