الآخر، فَإِنَّهُ يُفِيد أَنه لَو كَانَ الْعرف يشْهد للْبِنْت بِأَنَّهُ تمْلِيك وَأقَام الْأَب الْبَيِّنَة على الْعَارِية تسمع وَيسْتَرد مَا دَفعه. وَبَيَان عدم التدافع أَن المُرَاد هُنَا بِعَدَمِ الِاسْتِرْدَاد عَدمه بِمُجَرَّد اعْتِرَاف الْبِنْت أَن الْأَعْيَان كَانَت ملك الْأَب الْمُوجب ذَلِك للتسليم لَهُ، لَا عَدمه مُطلقًا، فَإِن الْأَب إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على صَرِيح الْعَارِية وَقت الدّفع كَانَ ذَلِك مقدما على استفادة التَّمْلِيك من دلَالَة الْعرف أَو السُّكُوت.
من جملَة مَا فرع على قَوْلهم: " السُّكُوت فِي معرض الْحَاجة إِقْرَار وَبَيَان " سكُوت الْقَرِيب أَو أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا رأى قَرِيبه أَو زوجه يَبِيع شَيْئا فَإِنَّهُ اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ فِيهِ مَعَ أَنه لَيْسَ هُنَاكَ دلَالَة من الْحَال وَلَا ضَرُورَة لدفع الْغرَر وَالضَّرَر. وتفريعهم لَهُ على مَا ذكر بِنَاء على مَا هُوَ الِاسْتِحْسَان فِي الْفَرْع الْمَذْكُور، قطعا للتزوير الْمُمكن بَين الْأَقَارِب أَكثر من غَيرهم. وَالْقِيَاس فِيهِ أَن لَا يكون السُّكُوت اعترافاً، وَأَن يكون مفرعاً على الْجُمْلَة الأولى.
(تَنْبِيه آخر:)
قد ينْسب إِلَى السَّاكِت قَول فِي غير معرض الْحَاجة للْبَيَان أَو ضَرُورَة دفع الضَّرَر وَالْغرر. وَذَلِكَ فِيمَا يبْنى من الْأَحْكَام على الْعرف، كمسائل الْأَيْمَان فَمن ذَلِك: مَا لَو حلف: لَا يظْهر سر فلَان، أَو ليتمكنه، أَو حلف: لَا يدل على فلَان؛ فَسئلَ: هَل كَانَ سره كَذَا؟ أَو هَل فلَان بمَكَان كَذَا؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ _ أَي: نعم _ حنث فِي يَمِينه.
وَكَذَلِكَ لَو حلف: لَا يستخدم فلَانا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء من الْخدمَة حنث فِي يَمِينه، سَوَاء خدمه أَو لم يَخْدمه.
وَإِنَّمَا حنث فِي جَمِيع ذَلِك لِأَن الْأَيْمَان تبنى على الْعرف، وَهُوَ فِي الْعرف يكون بذلك مفشياً سر فلَان ومعلماً بِهِ (ر: الْحَمَوِيّ على الْأَشْبَاه، من كتاب الْوَصَايَا) .