زَعمه مُبَادلَة، فَإِذا اسْتحقَّت الدَّار مِنْهُ لَا يسوغ لَهُ أَن يرجع بِمَا دَفعه، لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْمُطَالبَة بِمَا يُخَالف زَعمه.

وينقض هَذَا الْجَواب مَا ذكره رشيد الدّين، فِي صدر الْعبارَة، من أَنه لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا، وَكَانَ هُوَ دَافع الْبَدَل، ثمَّ اسْتحقَّت الدَّار من يَده يرجع على الْمُدَّعِي بِمَا دَفعه إِلَيْهِ، مَعَ أَن هَذَا الصُّلْح لَيْسَ مُبَادلَة فِي زَعمه، بل هُوَ مُبَادلَة فِي زعم الْمُدَّعِي فَقَط، فقد تمكن الْمُدعى عَلَيْهِ من الْمُطَالبَة بِمَا يُخَالف زَعمه. وَالْجَوَاب الْحَاكِم مَا قدمْنَاهُ، وبالمعقول وَالْمَنْقُول أيدناه، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

(التَّنْبِيه الثَّالِث)

قد يعْتَبر الْمَقْصد وَالْمعْنَى فِي بعض الْعُقُود، فَيحصل من اعتبارهما فِيهِ فَائِدَة من غير أَن يكْتَسب العقد صفة عقد آخر، كَمَا إِذا أعْطى الْغَاصِب الْمَغْصُوب مِنْهُ رهنا بِعَين الْمَغْصُوب، ثمَّ تلفت الْعين الْمَغْصُوبَة فِي يَد الْغَاصِب، فَإِن الرَّهْن يكون حينئذٍ ببدلها من مثل أَو قيمَة، وكما إِذا أعْطى الْمُسلم إِلَيْهِ لرب السّلم رهنا بِعَين الْمُسلم فِيهِ، ثمَّ انْفَسَخ عقد السّلم بِوَجْه مَا، فَإِن الرَّهْن يصير رهنا بِرَأْس المَال الَّذِي قَبضه الْمُسلم إِلَيْهِ (ر: الدُّرَر، وَغَيره، من بَاب مَا يَصح رَهنه وَمَا لَا يَصح) وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَن الْمَقْصد من هَذَا الرَّهْن توثق الْمَغْصُوب مِنْهُ وَرب السّلم لِسَلَامَةِ حَقه وأمنه مِمَّا يلْحقهُ من الضَّرَر بِهَذَا الْغَصْب وَعقد السّلم.

(التَّنْبِيه الرَّابِع)

اخْتلف فِي جَوَاز بيع الْوَفَاء فِي الْمَنْقُول إِذا لم يكن الْمَنْقُول من تَوَابِع الْعقار. وَلم أجد فِي ذَلِك تَرْجِيحا، وَلم تتعرض الْمجلة لَهُ أَيْضا. وَمُقْتَضى مَا ذَكرُوهُ من أَن تَجْوِيز بيع الْوَفَاء بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة الْمَعْرُوفَة إِنَّمَا كَانَ لضَرُورَة النَّاس وتعارفهم، أَنه إِذا لم يتعارف النَّاس إجراءه فِي المنقولات، التعارف الْمُعْتَبر، لَا يجوز كَمَا هُوَ الْوَاقِع فِي زَمَاننَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015