(الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عشرَة (الْمَادَّة / 16))
الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِمثلِهِ إِجْمَاعًا أَي فِي الْمسَائِل الَّتِي يسوغ فِيهَا الِاجْتِهَاد، لِأَنَّهُ لَو نقض الأول بِالثَّانِي لجَاز أَن ينْقض الثَّانِي بثالث، لِأَنَّهُ مَا من اجْتِهَاد إِلَّا وَيجوز أَن يتَغَيَّر، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عدم الِاسْتِقْرَار.
وَهَذَا فِي حق الْمَاضِي، فَلَو كَانَ قضى قَاض فِي حَادِثَة بِاجْتِهَادِهِ ثمَّ تبدل اجْتِهَاده فَرفع إِلَيْهِ نظيرها فَقضى فِيهَا بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي لَا ينْقض الأول، كَمَا فِي الْأَشْبَاه والنظائر، لقَوْل عمر، رَضِي الله عَنهُ، حِين قضى فِي حَادِثَة بِخِلَاف مَا قضى فِي نظيرها قبلا: تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذِه على مَا نقضي. (ر: شرح السِّرَاجِيَّة للسَّيِّد) .
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بَين قاضيين، بِأَن قضى شَافِعِيّ مثلا فِي حَادِثَة مُجْتَهد فِيهَا بمذهبه، ثمَّ رفعت لآخر حَنَفِيّ مثلا يرى فِيهَا غير ذَلِك لَا يجوز لَهُ نقض قَضَاء الأول، بل يجب عَلَيْهِ تنفيذه وَيحكم فِي غَيرهَا بِمَا يرَاهُ.
وَهَذَا، أَي عدم جَوَاز مُخَالفَة قَضَاء القَاضِي السَّابِق، فِيمَا هُوَ مَحل النزاع الَّذِي ورد عَلَيْهِ الْقَضَاء، أما فِيمَا هُوَ من توابعه فَلَا يتَقَيَّد بِمذهب الأول، فَلَو قضى شَافِعِيّ بِالْبيعِ فِي عقار فللقاضي الْحَنَفِيّ أَن يقْضِي فِيهِ بِالشُّفْعَة للْجَار، وَإِن كَانَ القَاضِي الأول لَا يَرَاهَا. وَكَذَلِكَ لَو حكم قاضٍ بِصِحَّة الْوَقْف لَا يكون حكما بِالشُّرُوطِ، فَلَو وَقع التَّنَازُع فِي شَيْء من الشُّرُوط عِنْد من يُخَالف فِيهَا، فَلهُ أَن يحكم فِيهَا بمذهبه، لِأَن ذَلِك لَيْسَ مَحل النزاع لَدَى القَاضِي