مثال آخر: لو أن امرأة في بلاد الكفر أرادت الهجرة وليس لها محرم، فهجرتها بلا محرم مفسدة، فقد يحصل لها شر وفساد، ولكنْ بقاؤها في بلاد الكفر يفتنونها عن دينها مفسدة أعظم، ولأجل هذا نقول لها تهاجر بل يجب عليها الهجرة، وإن كانت بلا محرم، حتى ذكر بعضهم الاتفاق عليه، فترتكب هذه المفاسد الصغار في سبيل دفع تلك المفاسد الكبار، وهذا أصل عظيم من أصول الشرع.

وقد أورد أهل العلم إشكالاً في هذه المسألة وقالوا: إنه ليس على كل حال، وممن أورده العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام) وقال ما معناه: إنه لو حاصر بلادَ المسلمين عدوٌّ من أعدائهم، وضايقوهم وقالوا: نحن لا نذهب ونترككم حتى تعطونا شخصاً فدية لأجل ترككم.

قال أهل العلم في هذه المسألة: إنه لا يجوز ارتكاب هذه المفسدة، وإن كانت صغيرة في جنب تلك المفسدة الكبيرة.

وأورد أيضاً مثالاً في قوم ركبوا البحر، وثقل حمل السفينة ولا تستقر على الماء إلا أن يرمى بعضهم في البحر لكي يخف وزنها ويسلم باقي الركاب، فهذه أجمع أهل العلم على أنه لا يُلقى أحد منهم وإن كان عدم الإلقاء يؤدي إلى غرق من في السفينة جميعهم.

وأجاب العز بن عبد السلام ما معناه: إن من المصالح والمفاسد ما هو من الأمور التعبدية التى لا تُعقَل فهذه منها ما يجب الانقياد والتسليم لها، وإن لم تُعقل حكمتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015