ثم ذكر المصنف رحمه الله بعد ذلك مسألة الوجود، فقال: إن الله سبحانه وتعالى موجود، وهذه ضرورة يقر بها عامة بني آدم، والمخلوق من بني آدم وغيرهم كذلك موجود، فحصل بين هذا المخلوق وبين الصفة التي ذكرت في حق الخالق -وهي الوجود- اشتراك، فإنه يقال عن المخلوق: إنه موجود، والله سبحانه وتعالى أيضاً موجود، فهل يلزم من هذا الاشتراك في هذه الصفة أن يكون وجود الخالق كوجود المخلوق، أو أن يكون وجود المخلوق كوجود الخالق؟
الجواب: لا، مع أن الله سبحانه وتعالى يسمى موجوداً، وهذه المخلوقات يقال عنها: إنها موجودة، فاشتركا في اسم الوجود، وهذا الاشتراك في هذا الاسم لم يستلزم التماثل بعد الإضافة والتخصيص.
إذاً: هذا الاشتراك في اسم الوجود عند الإطلاق -أي: قبل الإضافة- لم يستلزم التماثل في الحقيقة بعد الإضافة والتخصيص، وهذا من البدهيات، ولا يمكن لأحد أن يعاضل فيه، إذا كان الأمر كذلك فالمصنف يريد أن يقول: فما الفرق بين هذا الاشتراك وبين الاشتراك في اسم العلم، أو في اسم الحياة، أو في اسم السميع والبصير
إلخ؟
بمعنى: أنه إذا قيل: إن الله موصوف بالسمع، والمخلوق موصوف بالسمع، لم يلزم بعد الإضافة والتخصيص أن يكون سمع الخالق سبحانه وتعالى كسمع المخلوق، فإن قال قائل: إنه يلزم، قيل: فلم لم يلزم أن يكون وجوده كوجود المخلوق؟!
ومن هنا عُني المصنف في كتبه المفصلة -كدرء التعارض وغيره- بتقرير مسألة الوجود؛ لأنها تعتبر قاعدة بدهية ضرورية، فإنه حتى الغلاة الذين ينفون الأسماء والصفات من المتفلسفة، أو غلاة المتكلمين، لا ينازعون في مسألة الوجود؛ بل إن سائر العقلاء، فضلاً عن المنتسبين إلى الإسلام، أو للديانات السماوية، يقرون بوجود الله، ويقرون -بضرورة الحال- بوجود هذه المخلوقات، فحصل الاشتراك في اسم الوجود.