سبب الغلط في باب الصفات

وقوله رحمه الله: (وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب):

هذا إشارة من المصنف إلى أن أصل هذه المقالات التي زعمها من زعمها ممن انتسب إلى القبلة -وقد ينازَع في صحة ثبوت إسلامه- أن هذه المقالات أصولها من مقالات المشركين.

وهذا مما ينبغي أن يعنى به: أن الغلط في باب الإلهيات وفي باب الصفات ليس موجبه اشتباه النصوص عليهم؛ لأن الذين خالفوا في ذلك إما أن يكونوا من الباطنية، وإما أن يكونوا من المتكلمين، وإما أن يكونوا من المتفلسفين، وقد سبق أن الباطنية والمتفلسفة لا يرون القرآن نطق بهذا، وحتى من كان منهم متكلماً -كأئمة المعتزلة- لا يرون أن ظاهر القرآن نطق بهذا، بل هو -عندهم- بحاجة إلى تأويل.

فمراد الإمام ابن تيمية أن يقول: إن البدعة التي ظهرت بعد عصر الصحابة -من نفي صفات الله وإخراجها، عن ظاهرها الشرعي- ثم شرحها المتفلسفة -كـ ابن سينا ونحوه- ودخلت على بعض الفضلاء من الفقهاء المتأخرين المنتسبين للسنة والجماعة، ليس ذلك بسبب أن نصوصاً اشتبهت عليهم من القرآن؛ بل إن الفلسفة هي أصل هذه المقالة، بغض النظر عن التفاصيل التي قد يكون لها بعض الأحوال الخاصة.

وعلى هذا فالبدع التي ظهرت في الجملة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: بدع أصلها مادة منقولة.

القسم الثاني: بدع ليس لها مادة منقولة قديمة في الفلسفة وغيرها، إنما اشتبهت على قوم من المسلمين؛ لقلة علمهم، ولبغيهم، ولجهلهم، ولعدم اهتدائهم بهدي الصحابة، فظهرت عندهم بدعة ما، كبدعة الخوارج، فالخوارج لم يقرءوا كتب الفلسفة؛ بل كان كثير منهم أميين لا يقرءون ولا يكتبون؛ فلم يأخذوا بدعتهم من الفلاسفة، والخوارج كانوا عرباً، بخلاف أولئك الذين أدخلوا مقالة الفلاسفة وتكلموا في مسألة الإلهيات ونفي الصفات، فأكثرهم من الأعاجم، كـ أبي الهذيل العلاف وابن سينا وأمثالهم.

فالمقصود: أن الخوارج قالوا ببدعتهم تلك لأنه اشتبه عليهم القرآن، لا لكون القرآن محتملاً لهذه البدعة؛ وإنما لجهلهم ولظلمهم، وما إلى ذلك.

فنجد أن الخوارج استدلوا على أن مرتكب الكبيرة كافر، وأنه مخلد في النار، بقول الله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:192] وقد استدلوا بهذه الآية أمام جابر بن عبد الله كما جاء من حديث يزيد الفقير عند الإمام مسلم، وكذلك استدلوا بقول الله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة:20] ويجاب الخوارج عن هذه الآيات بما جاء عن ابن عباس وجماعة من الصحابة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015