قال المصنف رحمه الله: [القاعدة السابعة: أن يقال: إن كثيراً مما دل عليه السمع يعلم بالعقل أيضاً، والقرآن يبين ما يستدل به العقل، ويرشد إليه، وينبه عليه، كما ذكر الله ذلك في غير موضع؛ فإنه سبحانه وتعالى بين من الآيات الدالة عليه، وعلى وحدانيته، وقدرته، وعلمه، وغير ذلك، ما أرشد العباد إليه ودلهم عليه، كما بين أيضاً ما دل على نبوة أنبيائه، وما دل على المعاد وإمكانه.
فهذه المطالب هي شرعية من جهتين: من جهة أن الشارع أخبر بها، ومن جهة أنه بين الأدلة العقلية التي يستدل بها عليها.
والأمثال المضروبة في القرآن هي أقيسة عقلية، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
وهي أيضاً عقلية من جهة أنها تعلم بالعقل أيضاً].
هذه هي القاعدة السابعة، وقد بين فيها المصنف رحمه الله أن المطالب هي شرعية من جهتين: من جهة أنها خبرية، ومن جهة أنها عقلية، وكلا السياقين نطق به القرآن، ومعنى هذا الكلام: أن الشرعي -وهو ما كان من القرآن أو السنة- فإن سياقه في القرآن إما أن يكون سياقاً خبرياً محضاً مبنياً على صدق المخبر، كقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فهذا حكم شرعي خبري مبني على صدق المخبر، وإما أن يكون حكماً شرعياً عقلياً، كقول الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ..} [المؤمنون:91] فهذا حكم شرعي عقلي.
أما أنه شرعي فلكونه قرآناً، وأما أنه عقلي فلكونه مخاطباً للعقول، وهو ليس فرعاً عن تصديق المخبر أو عدم تصديقه، ولذلك فإنه يلزم المخاطب عقلاً التصديق بهذا الحكم، حتى من لم يسلم بأن هذا القرآن كلام الله، أو ما إلى ذلك من أحوال المشركين.