قال المصنف رحمه الله: [وقد تقدم أن ما يُنفى عنه سبحانه وتعالى -يُنفى لتضمن النفي الإثبات؛ إذ مجرد النفي لا مدح فيه ولا كمال، فإن المعدوم يوصف بالنفي، والمعدوم لا يشبه الموجود، وليس هذا مدحاً له؛ لأن مشابهة الناقص في صفات النقص نقص مطلق، كما أن مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيل وتشبيه ينزه عن الرب سبحانه وتعالى].
فمثلاً: من قال: إنه لا يوصف بالأكل والشرب؛ لعدم ذكر السمع لذلك، فإن هذا -لو فرض جدلاً- من باب النفي المجرد، والنفي المجرد لا كمال فيه، بخلاف من قال: إنه لا يوصف بالأكل والشرب؛ لكون هذا منافياً لقيوميته وكماله، وما سواه من المعاني, فإن النفي بهذه الطريقة يتضمن أمراً ثبوتياً، ولما تضمن النفي في هذا المقام أمراً ثبوتياً؛ تبين أن وجه نفي هذه الصفات عنه هو لكونها منافية لكماله، وليس لأن السمع لم يأت بها، وإن كان يقال: إن كل ما نافى كماله فإنه يمتنع أن يأتي به السمع، وفرق بين أن يقال: إن السمع لم يأت به، وبين أن يقال: إنه يمتنع أن يأتي به السمع.
فقول المصنف: إننا لا نعلل ذلك بأن السمع لم يأت به، ليس معناه أنه يفرض ذلك؛ بل معناه: أن هذه الصفات تنفى عنه لكونها منافية لغناه عما سواه، ولكونها منافية لقيوميته سبحانه وتعالى، وما نافى غناه عما سواه وكذلك قيوميته سبحانه وتعالى؛ امتنع أن يجيء به السمع.