قال المصنف رحمه الله: [فصل: وأفسد من ذلك ما يسلكه نفاة الصفات أو بعضها، إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزهه عنه مما هو من أعظم الكفر، مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك، ويريدون الرد على اليهود الذين يقولون: إنه بكى على الطوفان حتى رمد، وعادته الملائكة، والذين يقولون بإلهية بعض البشر، وأنه الله.
فإن كثيراً من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم أو التحيز ونحو ذلك، ويقولون: لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسماً أو متحيزاً، وذلك ممتنع].
قوله: (فإن كثيراً من الناس):
أي: كثيراً من المتكلمين، الذين بنوا هذا الباب على مسألة نفي التشبيه والتجسيم، حتى إنه من ضيق حالهم إذا أرادوا أن يردوا على من قال: إن الله بكى ممن كفر به سبحانه وتعالى، فإنهم يقولون: إنه لا يوصف بالحزن والبكاء؛ لأن هذا يستلزم التجسيم والتشبيه، فيقول المصنف: إن تنزيه الله سبحانه وتعالى عن هذا لا ينبغي أن يعبر عنه من هذه المشكاة؛ لأن هناك من الألفاظ والمعاني والمدارك ما هو أكثر بياناً وأكثر تحقيقاً للامتناع، وهو النقص الذي وصف بعض الواصفين -ممن كفر بالله سبحانه وتعالى- به الخالق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!
فمن نفى النقص لأن الله منزه عن التجسيم، يقال له: أرأيت لو غلبك مغالب، وجوز التجسيم جدلاً، فإن حجتك تنقطع، فمن يجعل مبنى إبطال هذا الكلام من الكفار أو من قوم من الكفار على أن الله منزه عن التجسيم، فيقال له: فيلزم عندك أن من جوز التجسيم، أو إطلاق التجسيم كما هو شأن ابن كرام -وإن كان ابن كرام لا يقول: إن الله جسم كالأجسام، بل يقول: إنه جسم لا كالأجسام، ويجعل كلمة (جسم) من جنس (سمع) أو (بصر)، من حيث الاشتراك- فيلزم أن لا يفهم أن ابن كرام ممثل لله بخلقه التمثيل المطرد المطلق.
قال رحمه الله: [وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم الملاحدة نفاة الأسماء والصفات، فإن هذه الطريق لا يحصل بها المقصود لوجوه].
قوله: (لا يحصل بها المقصود)؛ لأنها قد تنقل، وقد يغلب غالب، كما فعل ابن كرام؛ لأنه غالب المتكلمين -وليس المراد أنه انتصر بحجة صحيحة- ولكن المقصود أنه غالبهم فقال: لا بأس أن يقال: إن الله جسم، لكن نقول: لا كالأجسام.