قال المصنف رحمه الله: [وكذلك لفظ المتحيز، إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات، فالله أعظم وأكبر؛ بل قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟!)، وفي حديث آخر: (وإنه ليدحوها كما يدحو الصبيان بالكرة)، وفي حديث ابن عباس: (وما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)].
الحديث الأول في الصحيحين، ومصطلح (الصحاح) هو ما التزم مصنفه أن ما يخرجه في كتابه يكون صحيحاً, سواء صُدق في هذا، أي: اطرد التصديق له، كما في صحيح البخاري مثلاً، فإن من بعده شهد له بذلك، واستقر الأمر في الجملة على أن كل ما في صحيح البخاري فهو صحيح, وإن كان هناك بعض الأحاديث التي تلكم فيها بعض الأئمة المتقدمين، وكان لهم فيها نظر آخر.
وكذلك ما في صحيح مسلم، ومن المعلوم أن الأئمة المتقدمين ومن بعدهم قد تكلموا في بعض الأحاديث التي رواها مسلم، لكن في الجملة أن هذا وهذا قد شاء القول بالصحيح.
وقد تسمى بعض الكتب بالصحاح وإن كان النظر فيها من جهة عدم الموافقة كثيراً، كما في صحيح ابن خزيمة , أو صحيح الحاكم، إذا سمي صحيحاً، وهو مستدرك على الصحيحين، فصحيح الحاكم أو صحيح ابن خزيمة ليس الأمر فيها كما في البخاري ومسلم.
فالمقصود: أن مصطلح الصحاح على هذا الوجه، أي: ما قصد المؤلف منه أن يذكر الصحيح من الحديث فقط.
والحديث الثاني والثالث رواهما ابن جرير وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:67].
قال رحمه الله: [وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي: مباين لها، أي: منفصل عنها، ليس حالاً فيها، فهو سبحانه كما قال أئمة السنة: فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه].
وهذا المعنى -أي: المعنى الثاني- صحيح، وهو أنه منحاز عن المخلوقات، مباين لها، منفصل عنها، لكن التعبير بلفظ (التحيز) تعبير ليس صحيحاً؛ لأنه ليس شرعياً، ثم إنه لفظ مجمل، أراد به المتكلمون ما كان حقاً من المعاني، وربما أرادوا به ما كان حقاً وما كان باطلاً.