قال المصنف رحمه الله: [فإن قال: العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر، وما لا يقبل البصر كالحائط لا يقال له: أعمى ولا بصير].
فإذا قالوا هذا يقال لهم ابتداءً: لماذا نفيتم أن الله موصوف بالكلام أو بالرؤية أو بالبصر؟ فسيقولون: إن هذا النفي من باب التنزيه عن التشبيه، فيقال لهم: أي تشبيه هذا؟ فسيقولون: التشبيه بمخلوقاته التي توصف بتلك الصفات، فيقال: وما ليس قابلاً هو أيضاً من مخلوقاته، فإن الجبل ونحوه مما ليس قابلاً هي من مخلوقات الله، ومعلوم أنه يقصد تنزيهه عن سائر مخلوقاته؛ بل يقصد تنزيه الباري سبحانه وتعالى عن غيره؛ أياً كان ذلك الغير، فإن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فلا مانع إذاً -على حد قولهم- أن يقال: إنه لا يرى؛ لأن المخلوق موصوف بذلك, أو إنه لا يتصف بهذه الصفات؛ لأن المخلوق كذلك.
ولذلك فإنهم يعلمون أن الإله الحق لا بد أن تثبت له هذه المعاني، فإن المعتزلة -مثلاً- الذين لا يثبتون الصفات، هل معنى ذلك أنهم لا يصفون الله تعالى بمعنى العلم، فيصفونه بالجهل، أو أن الله لا يوصف بإدراك المبصرات والمسموعات؟ لا.
بل إنهم يثبتون ذلك، ولذلك إذا قيل للمعتزلي مثلاً: هل الله سبحانه وتعالى يدرك مكاننا هذا الإدراك السمعي والإدراك البصري؟ فسيقول: نعم، فإنه لا يخفى عليه شيء من خلقه؛ لا من حركاتهم، ولا من أفعالهم، ولا من أصواتهم، ولا من أفكارهم، ولا غير ذلك، ولكنه لا يسمع بسمع, بل هو سميع بذاته، وبصير بذاته ..
ويفسرون السمع والبصر بالإدراك، وليس بأنه صفة تقوم بذات الرب على المعنى المعروف.
إذاً: فهم يثبتون ما يتعلق بحكم الصفة، ولم يستطيعوا أن ينفوه؛ لأن هذا من الإلحاد في حقه سبحانه وتعالى، لكنهم لم يقولوا: إن لله تعالى سمعاً وبصراً يقوم بذاته ..
وغير ذلك.