قال المصنف رحمه الله: [وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال؛ لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء هو كما قيل: ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون مدحاً أو كمالاً.
ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال].
الكمال يتعلق بالأمور الوجودية؛ لأن الكمال صفة ثبوتية، فالكمال وجه من الثبوت، فلا بد أن يتعلق بأمر وجودي وليس بأمر عدمي، فإن قيل: إنه جاء في القرآن ما هو من وصف العدمي، أي: الوصف السلبي، أو وصف النفي.
قيل: كل ما ذكر مفصلاً في القرآن من النفي في مقام الصفات، فإنه لا بد أن يكون متضمناً لصفة ثبوتية؛ بل أكثر من ذلك.
فإن قيل: هل النفي المفصل من حيث حكم العقل يستلزم أمراً ثبوتياً، أم أن النفي المفصل لا يستلزم أمراً ثبوتياً؟ قيل: من جهة حكم العقل فإن النفي المفصل لا يستلزم أمراً ثبوتياً في بابه المطلق في حق غير الله سبحانه وتعالى، فإذا وصفت شيئاً من الأشياء بنفي، فلا يلزم أن يكون هذا من باب تحقيق الإثبات له.
لكن عندما جاء ذكر شيء من نفي صفات النقص عن الله تعالى على وجه التفصيل؛ فإن كون هذا السياق مضافاً إلى رب العالمين سبحانه وتعالى هو من باب تحقيق الكمال، فإن الله لما نفى عن نفسه الظلم؛ دل ذلك على كمال عدله.
فإن قيل: فما هي الحاجة إلى أن نقول: إن قوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49] تضمن إثبات العدل؟ لماذا لا نقول: إنه يدل على نفي الظلم؟ قيل: الدلالة على نفي الظلم وحده دون تحقيق العدل ليس مدحاً؛ لأن الأشياء التي لا تقبل الظلم ولا تقبل العدل توصف بأنها لا تظلم.
فهذا هو مقصود المصنف: أن كل نفي مفصل في القرآن يتضمن أمراً ثبوتياً، وهو كمال الضد، وما لحقه من المعاني المناسبة.
وقوله: (ولأن النفي المحض) أي: المجرد عن إثبات المقابل، فالنفي المحض هو الذي لم يتضمن أمراً ثبوتياً، والشيء المحض هو ما يسمى بالشيء الخالص، أو الشيء المجرد عن التعلق بغيره، أو عن تعلق غيره به.