قال المصنف رحمه الله: [والمقصود: أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة قادرة، سميعة بصيرة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو ذلك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها؛ لأنهم لم يشاهدوا لها نظيراً، والشيء إنما تدرك حقيقته إما بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره، فإذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات، مع عدم مماثلتها لما يشاهد من المخلوقات، فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاته، مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته، وأهل العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها، فإذا كان من نفى صفات الروح جاحداً معطلاً لها، ومن مثلها بما يشاهده من المخلوقات جاهلاً ممثلاً لها بغير شكلها، وهي مع ذلك ثابتة بحقيقة الإثبات، مستحقة لما لها من الصفات، فالخالق سبحانه وتعالى أولى أن يكون من نفى صفاته جاحداً معطلاً، ومن قاسه بخلقه جاهلاً به ممثلاً، وهو سبحانه ثابت بحقيقة الإثبات، مستحق لما له من الأسماء والصفات].
قوله: (والعقول قاصرة عن تكييفها):
فمن باب أولى عن تكييف صفاتها، وهذا بين، فإذا قيل لأحد: كيف تصعد الروح وكيف تنزل؟ فلن يستطيع أن يعطيك علماً مفصلاً بالكيفية، فإذا كانت العقول قاصرة عن تكييفها، فمن باب أولى أن تكون العقول قاصرة عن تكييف صفات الله تعالى.
وقوله: (والشيء إنما تدرك حقيقته إما بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره):
أي: تدرك كيفيته وماهيته، والروح لم نشاهدها، ولم نشاهد لها نظيراً، فإذا كان هذا في الروح -ولله المثل الأعلى- فمن باب أولى في حقه سبحانه وتعالى.
وعدم علمنا بماهية وكيفية صفات الروح، لم يلزم منه عدم الإقرار بصفاتها؛ بل نقر بصفاتها، وهذا إقرار ضروري، ومع ذلك نقر بعدم العلم بكيفية صفاتها، وهذا أيضاً إقرار ضروري، فحصل انفكاك بين هذا وهذا.