اضطراب الناس في ماهية الروح

قال المصنف رحمه الله: [والناس مضطربون فيها: فمنهم طوائف من أهل الكلام يجعلونها جزءاً من البدن، أو صفة من صفاته، كقول بعضهم: إنها النفس أو الريح التي تتردد في البدن، وقول بعضهم: إنها الحياة، أو المزاج، أو نفس البدن.

ومنهم طوائف من أهل الفلسفة يصفونها بما يصفون به واجب الوجود عندهم، وهي أمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود، فيقولون: لا هي داخل البدن ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة له، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا عرض].

وهذه هي طريقة ابن سينا، وله قصيدة مشهورة في هذا، مطلعها:

هبطت إليك من المحل الأرفع ... .

فهذه طريقة هؤلاء المتفلسفة: أنهم يعظمون مقام الروح، ويصفونها بما يصفون به واجب الوجود.

وفي الجملة: الكلام في الروح جمهوره لا أصل له، إنما الذي يُقر به من مسألة الروح: أنها مخلوقة، وأنها تقوم بالجسد، وأنها تتصف بما وصفها الله به، وأن لها حركة تناسبها، وأنها تقبض ... إلخ.

وأما الزيادة على ذلك فإن هذا من باب التكلف، والله تعالى يقول: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] ولذلك فلا ينبغي الزيادة والنظر في مسألة الروح، وليست من المسائل التي عُني الأئمة المتقدمون من الصحابة ومن بعدهم بتفصيلها، وليس ذلك من العلم الشريف -أي: التفصيل فيها- وليست الإحاطة بذلك هو موجب الهداية، أو عدم الإحاطة به هو موجب الضلالة، ولذلك فلو كانت الإحاطة بتفصيل العلم بها هو موجب الهداية لبينه الله لمّا قال لنبيه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء:85] فعُلم أن عدم العلم بتفصيلها لا يوجب ضلالهم عند الحقيقة إلا أن يكون مكابرة منهم.

ومما ينبه إليه: أن ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح، وإن كان قد رد رداً حسناً على بعض الأقوال الفلسفية وغيرها، إلا أنه توسع في مسألة الروح، وقال أقوالاً تخالف أقوال المتفلسفة، لكن لا يلزم أن تكون هي أيضاً صحيحة، فكثير من المباحث في كتاب الروح لا أرى أن له أهمية أصلاً، ولعله كان الأفضل أن لا يبالغ في هذا التفصيل، إنما يقال: إن الروح هي حقائق عامة، فهي موجودة، وهي مخلوقة من خلق الله، وتتصف بصفات تناسبها

إلى غير ذلك من صفاتها، ويذكر ما جاء فيها من نصوص الكتاب والسنة، والحقائق العامة المعروفة بالعقل والحس، أما ما زاد على ذلك من التكلفات، فهذا كله نوع من التخيل ليس إلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015