قال المصنف رحمه الله: [فيقال له: وهكذا القول في جميع الصفات، وكل ما نثبته من الأسماء والصفات فلا بد أن يدل على قدر مشترك تتواطأ فيه المسميات].
لقد سبق أن علق المصنف على هذا الأمر في أكثر من موضع، وهو ما يقال عنه: الاشتراك في المسمى الكلي الذهني، وهنا يثبت المصنف هذا الأمر، والأئمة يثبتونه كذلك، وإثباته لا يحتاج إلى أن يُصرح به فلان وفلان؛ لأنه ضرورة عقلية.
وهذا الكلي الذهني يقول عنه المصنف: ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص؛ بل هذا التواطؤ الكلي الذهني هو قدر عام غير مخصص يحمله الذهن، به يُفقه ويُفهم الخطاب.
مثلاً: قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] عندما يقرؤه من يعرف اللسان العربي سوف يفهم من كلمة (التكليم) معنى، هذا المعنى يقول المصنف: إنه يتحصل إدراكه وفقهه من هذا الكلي الذهني، وإذا عدم هذا الكلي الذهني امتنع فقه الخطاب.
وقوله: (فلا بد أن يدل على قدر مشترك تتواطأ فيه المسميات):
ليتضح المعنى نقول: تواطؤاً كلياً ذهنياً، أما التواطؤ المخصص، أو التواطؤ الإضافي، فإنه هو التشبيه الذي نفته النصوص، أما من يقول من أهل الحد والمنطق: إنه إذا أُضيف أو خصص خرج عن مسألة التواطؤ، فإن هذه اصطلاحات، وليس المهم هنا أن نسير على المصطلح بدقته، لكن علينا أن نسير على المعنى؛ لأنه قد يشكل على البعض ممن لا يعرف حدود هذا المنطق، أو هذا العلم، أو هذا الاصطلاح، أن هذا التواطؤ قد يدخل في الإضافات أو لا يدخل، وهذه مسألة اصطلاحية، لكن نقول: إن باب المخصص وباب المضاف هو التشبيه الذي نفته النصوص، فلابد إذاً أن تتواطأ تواطؤاً كلياً ذهنياً.
قال رحمه الله: [ولولا ذلك لما فهم الخطاب، ولكن نعلم أن ما اختص الله به وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال].
إن ما اختص الله به أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، فضلاً عن الموجود، فالله تعالى منزه عن مشابهة الموجودات التي نشاهدها، أو الموجودات التي أخبرنا بها، فإن الله أخبرنا أن في ملكوت السماوات والأرض من الخلق ما هو أكبر من خلق الناس، فالله سبحانه وتعالى أعظم وأجل من ذلك كله، ولا يمكن أن يكون مشابهاً لأي مخلوق، سواء كان هذا المخلوق مشاهداً للعباد، أو كان غائباً عنهم متصفاً بحقائق غائبة عنهم، أو كان مما يفرضه أو يتصوره الذهن.
فإن قال قائل: هل يمكن للذهن أن يفرض صفة واحدة لواجب الوجود؟
فالجواب: أن الذهن يمتنع عليه أن يتصور صفةً، أو أن يتخيل كيفية صفة، وأما أنه يفهم المعنى، فلا شك أن المعنى معقول، كما قال الأئمة: الاستواء معلوم، أي: معلوم المعنى، لكن إذا تكلمنا في الكيفيات فإن العقل يمتنع عليه أن يتصور كيفية صفة من الصفات، فضلاً عن أن يتصور كيفية الموصوف سبحانه وتعالى الذي لا يُحاط به علماً.