وقوله رحمه الله: [وتسميتك ذلك تشبيهاً وتجسيماً تمويه على الجهال الذين يظنون أن كل معنىً سماه مسمٍ بهذا الاسم يجب نفيه، ولو ساغ هذا لكان كل مبطل يسمي الحق بأسماء ينفر عنها بعض الناس؛ ليكذب الناسُ بالحق المعلوم بالسمع والعقل، وبهذه الطريقة أفسدت الملاحدة على طوائف من الناس عقولهم ودينهم، حتى أخرجوهم إلى أعظم الكفر والجهالة، وأبلغ الغي والفساد]:
وهذا من أخلاق بعض الأمم المنحرفة عن كتابها، وقد ذكر الله تعالى عن قوم من أهل الكتاب أنهم يسمون بعض الحقائق من الحق بغير أسمائها -سواء كان هذا في باب المسائل العلمية، أو في باب العمليات والشرائع- فيكون هذا الاسم المخترع إما أن يتضمن تسويغاً لممنوع في الشريعة، وإما أن يكون تنفيراً عن أمر مشروع.
وقد دخل هذا الأمر على طوائف من هذه الأمة، وقد يبتلى به بعض الشباب أحياناً، فتجدهم -مثلاً- إذا رأوا عالماً من العلماء يستعمل الحكمة، سموا هذا الحكمة التي يستعملها من باب الضعف، أو من باب المداهنة، أو من باب المماراة، وما إلى ذلك.
فتسمى الأمور -إما من باب الخفض أو من باب الرفع- تسمى بغير أسمائها، وهذا الأمر لا يأتي إلا من قلة العلم، ولا يستعمل مثل هذه الطرق إلا من قل علمه وقل دينه؛ لأن هذه الطرق هي التي تعوضه عن هذا النقص في أمانته وعدله، وفي علمه وإدراكه.