قال المصنف رحمه الله: [الثاني: أن يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات، فيقال: نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة، كدلالة التخصيص على المشيئة، وإكرام الطائعين يدل على محبتهم، وعقاب الكفار يدل على بغضهم، كما قد ثبت بالشاهد والخبر من إكرام أوليائه وعقاب أعدائه، والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته -وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة- تدل على حكمته البالغة كما يدل التخصيص على المشيئة وأولى؛ لقوة العلة الغائية؛ ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم، أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة].
يبين المصنف رحمه الله في الجواب الثاني أن ثمة طريقاً عقلياً لإثبات غير هذه الصفات السبع بالعقل، وذلك كصفة الرحمة، فيقال فيها: إن نفع العباد يدل على إثبات صفة الرحمة ..
وهكذا.
بل إن بعض الصفات -غير الصفات السبع- حقيقتها أنها من جهة العقل أقرب من بعض الصفات التي أثبتوها، فإن إدراك العامة من المسلمين أن إكرام الطائعين يدل على محبة الله لهم، وعقوبة الظالمين والكافرين به سبحانه وتعالى تدل على غضبه، ونحو ذلك -إدراكهم لهذا أقرب وأقوى من كلمة (التخصيص يدل على الإرادة)، فإن العامة ربما لا يستوعبون معنى هذه الكلمة أصلاً، فلا يفهمون معنى التخصيص ولا علاقة التخصيص بالإرادة؛ بل تحتاج إلى شرح حتى تفهم، كذلك مسألة الحكم وما تنتهي إليه المفعولات؛ ولهذا فإن من فقه المصنف أنه عبر هنا بالانتهاء، فإن بعض الأمور قد تبتدئ ويكون ظاهرها في حق بني آدم أنها ليست خيراً لهم، وذلك كالإفك الذي وقع في حق عائشة رضي الله تعالى عنها، ومع ذلك قال الله تعالى فيه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11].