قال المصنف رحمه الله: [فإن قال: تلك الصفات أُثبتها بالعقل؛ لأن الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام أو ضد ذلك].
هذا إثبات للصفات السبع بالدليل العقلي، ولذلك سماها بعض متكلمة الصفاتية: الصفات العقلية؛ لأنهم أثبتوها بالدليل العقلي.
وهنا سؤالان: السؤال الأول: هل هذا الإثبات لهذه الصفات بالعقل إثبات صحيح أم غير صحيح؟ والجواب: أنه إثبات صحيح من جهة الطريقة، وصحيح من جهة أن العقل يمكن أن يُستدل به على إثبات بعض الصفات الثابتة في الشريعة.
السؤال الثاني: هل العقل يدل على هذه الصفات وحدها، أم أنه يدل على هذه الصفات السبع ويمكن أن يدل على غيرها؟
والجواب: أنه يمكن أن يدل على غيرها؛ كالعلو مثلاً، فإن علو الله سبحانه وتعالى يثبت بالعقل، وإن كان لا يلزم من ذلك أن كل صفة معينة في القرآن يمكن أن يدل عليها العقل ابتداءً؛ بل هناك صفات لو لم يخبر الله تعالى بها في القرآن أو رسوله صلى الله عليه وسلم فلن يمكن للعقل أن يبتدئ القول فيها، وذلك كالنزول المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكالإتيان والمجيء، كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] فهذه الصفات وأمثالها لا تثبت بالعقل، مع أنه إذا ذكرها القرآن والسنة فإن العقل لا يمكن أن يكون منافياً لها.
إذاً: يقال لهؤلاء من متكلمة الصفاتية المنتسبين للسنة والجماعة: إن هذه الصفات تثبت بالعقل، لكن العقل يدل على غيرها من الصفات ..
هذه وجه.
الوجه الثاني: أنه لو فرض جدلاً أن العقل لا يدل إلا على هذه الصفات وحدها، فهل المعتبر في صفات الله تعالى هو العقل أم الشرع؟ لا شك أن المقدم هو الشرع، والعقل وإن جُوِّز الاستدلال به إذا أمكن فإنه لاشك أن الحق معتبره الأول هو القرآن، وهنا يقال: لو فرض جدلاً أن العقل لا يدل إلا على هذه السبع وحدها، فإن غيرها من الصفات يثبت بالشرع؛ فلم جُوِّز أن تثبت الصفات بالعقل ومنع أن تثبت الصفات بالكتاب والسنة؟ مع أن التحقيق أن العقل يدل على غير هذه الصفات.