فالجهمية والمعتزلة يقولون: القرآن كلام الله، لكن إضافته إلى الله -عندهم- من إضافة المخلوق إلى خالقه، لا من إضافة الصفة إلى الموصوف.
وأما الأشاعرة والكلابية فيقولون: القرآن كلام الله، لكنَّ كلامَ الله هو معنىً نفسي، فيقولون: إن هذا القرآن المكتوب هو عبارةٌ عن كلامِ الله، فكلام الله -عندهم- هو المعنى القائم بذات الرب عز وجل، فهو عبارة أو حكاية عن كلام الله، فتسميتهم للقرآن بأنه كلام الله هو على جهة المجاز، فكلام الله حقيقة هو المعنى النفسي، وهذا القرآن المسموع المتلو المكتوب هو كلام الله؛ لأنَّه عبارة عن هذا المعنى النفسي.
ومن طوائف المتكلمين: السالِمِيَّة، ومذهبهم في كلام الله أنَّه حروفٌ وأصواتٌ لكنَّها كلَّها قديمةٌ لا يتقدَّم بعضُها على بعضٍ، فليست الباءُ قبل السينِ، ولا السينُ قبل الميمِ في «البسملة»، ولذلك يُعرَفُون بـ «الاقترانية».
ومعنى هذا: أنَّ الله لم يزل متكلِّمَاً بكلِّ كلامٍ يُضاف إليه، فلم يزل قائلاً: يا موسى، أو يا آدم، وهذا ظاهرُ الفسادِ عقلاً وشرعاً.
فظهر بهذا أنَّه لا يمكن أن يتبيَّن مذهب الشخص إلا بالتفصيل.
فمن عُرِف بالسُنَّة المحْضَةِ حُمِلَ كلامُه المجْمَل على ما هو معروفٌ من مذهبه.
ومن عُرِفَ بالبدعة حُمِلَ كلامُه على ما هو معروفٌ من مذهبه.
وأما من لم يعرف مذهبه على وجه التحديد فيصبح كلامه مجملاً يحتاج إلى بيان، وذلك بالنظر في سائر كلامه، أو بالنظر في مواضع أخرى له يمكن أن يُعرَف من خلالها حقيقةُ مذهبِهِ، ومن أيِّ الطوائِفِ هو في هذه المسألة.