الاعتداء في السؤال، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله في جوابه السابق: (الاستواءُ معلومٌ) يعني: أن الاستواء معلومٌ معناه؛ لأنه لفظٌ معروفُ المعنى في اللغة العربية، والقرآنُ نَزَلَ بلسانٍ عربيّ، والله خاطبَ عبادَه باللسانِ الذي يعرفونه كما قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 193 - 195].
وهذا البيت يمكن أن يؤخذ منه أن الناظمَ رحمه الله يذهب في إثبات الاستواء إلى القول بالتفويض، فهو يثبت الاستواء، ولكنه لا يُثبْتُ له معنى معلوماً؛ بل اعتبر السؤال عن المعنى من الاعتداء في السؤال، وهذا مذهب أهل التفويض، فإنهم يقولون: إن نصوص الصفات ليس لها معنى مفهوم، بل يجب إجراؤها على ظاهرها ألفاظاً من غير فهمٍ لها.
والناظمُ رحمه الله في البيت السابق ينفي الحلول، وفي هذا البيت يثبت الاستواء، ولكن المؤسف أنه يمتنع عن تفسير الاستواء، ويقدح في السؤال عن معنى الاستواء، فهو إذاً يُثْبِتُ لفظ النَّص ويقول: نعم، إن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش، ولكن من غير تفسيرٍ لذلك؛ لأنه قال لمن سأله عن معنى استواء الله: «فأجبتهم: هذا سؤال المعتدي».
فيظهر من هذا أنه يثبت الاستواء ولكن لا يُفَسِّرُه بشيءٍ، هذا هو مُحَصَّلُ الجواب، فكأنه يقول: نعم، الواجب أن نقول: إن الله مستوٍ على العرش كما أخبر سبحانه وتعالى، ولكن لا ندري ما معنى استوى، ولا يجوز أن نسأل عن معنى استوى، وهذا غلطٌ فإنَّه بهذا لا يكون مُثْبِتَاً للاستواء على حقيقته، فهو أثبت النصَّ القرآني من غير فهمٍ لمعناه، ومن لم يفهم المعنى فإنه لا يمكن له أن يثبت حقيقة ذلك اللفظ، فهو لم يثبت لله معنى مفهوماً يصفُ الله به، بل يقول: الله تعالى استوى على العرش كما