هو حيث لا مقتضى للعدول عن التنكير، والمقتضى هنا قائم، إذ لا يجوز أن يكون ظرفًا لغوًا معمولاً للشيخ إذ لا معنى له أصلاً، ولا أن يكون ظرفًا مستقرًا حالاً من الشيخ إذ الصحيح امتناع وقوع الحال من المبتدأ. قاله العلامة البدر الدماميني. وحذفت الفاء من قوله: آكلو الربا، ومن قوله: إبراهيم، نظرًا إلى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها.
(و) أما (الصبيان) الكائنون (حوله) أي إبراهيم (فأولاد الناس) دخلت الفاء على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول: أما في قوله: أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه. وهذا موضع الترجمة،
فإن الناس في قوله: فأولاد الناس عام، يشمل المؤمنين وغيرهم. وفي التعبير: وأما الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله فأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين. وهذا ظاهر أنه عليه الصلاة والسلام ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة، ولا يعارضه قوله: هم مع آبائهم، لأن ذلك حكم الدنيا.
(والذي يوقد النار: مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت) فيها (دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء) وهذا يدل على أن منازل الشهادة أرفع المنازل، لكن لا يلزم أن يكونوا أرفع درجة من الخليل عليه الصلاة والسلام لاحتمال أن تكون إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزلته في الجنة أعلى من منازل الشهداء بلا ريب، كما أن آدم عليه الصلاة والسلام في السماء الدنيا، لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير، ومن أهل الشر، فيضحك ويبكي، مع أن منزلته هو في عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته، واكتفى في دار الشهداء بذكر الشيوخ والشباب، لأن الغالب أن الشهيد لا يكون امرأة ولا صبيًّا.
(وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك. فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب) وفي التعبير: مثل الراية البيضاء (قالا: ذاك) ولأبي ذر: (منزلك) ولأبي ذر: منزلتك (قلت: دعاني) أي: اتركاني (أدخل منزلي) قالا: (إنه بقي لك عمر، لم تستكمله، فلو استكملت) عمرك (أتيت منزلك).
وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، في: التعبير، بعون الله وقوته، وفيه: التحديث والعنعنة، وأبو رجاء مخضرم أدرك زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأسلم بعد فتح مكة، لكنه لا رؤية له. وأخرجه المؤلّف هنا تامًّا، وكذا في: التعبير، وأخرجه في: الصلاة قبل الجمعة، وفي التهجد، والبيوع، وبدء الخلق، والجهاد، وفي أحاديث الأنبياء، والتفسير، والأدب أطرافًا منه. ومسلم قطعه منه.
(باب) فضل (موت يوم الاثنين).
1387 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. وَقَالَ لَهَا: فِي أَىِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: يَوْمَ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا. قُلْتُ إِنَّ هَذَا خَلَقٌ. قَالَ: إِنَّ الْحَىَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ".
وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمى، أخو بهز بن أسد البصري، (حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت دخلت على أبي بكر) الصديق (رضي الله عنه) في مرض موته (فقال: في كم) أي: كم ثوبًا (كفنتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ فيه: وكم الاستفهامية وإن كان لها صدر الكلام، ولكن الجار كالجزء له، فلا يتصدر عليه. (قالت) عائشة: قلت له: كفناه (في ثلاثة أثواب بيض) بكسر الموحدة، جمع أبيض (سحولية) بفتح السين وبالحاء المهملتين، نسبة إلى سحول، قرية باليمن كما مر (ليس فيها قميص، ولا عمامة. وقال لها) أيضًا، رضي الله عنهما: (في أي يوم توفي النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت): توفي (يوم الاثنين) بنصب يوم على الظرفية.
واستفهامه لها عما ذكر قيل توطئة لعائشة للصبر على فقده، لأنه لم تكن خرجت من قلبها الحرقة لموت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها، إذ يبعد أن يكون أبو بكر رضي الله عنه نسي ما سألها عنه مع قرب العهد.
(قال): أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، (فأي يوم هذا؟ قالت): هو (يوم الاثنين) برفع: يوم، خبر مبتدأ محذوف (قال: أرجو) أي: أتوقع أن تكون وفاتي (فيما بيني) أي: فيما بين ساعتي هذه (وبين الليل) وللحموي والمستملي: وبين الليلة. (فنظر) وفي