أهلها، يعرض عليه، أو: يعلم، بالعكس مما يبشر به أهل الجنة، لأن هذه المنزلة طليعة تباشير السعادة الكبرى، ومقدمة تباريح الشقاوة العظمى، لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا، دل الجزاء على الفخامة، وفي ذلك تنعيم لمن هو من أهل الجنة، وتعذيب لمن هو من أهل النار، بمعاينة ما أعد له، وانتظاره ذلك إلى اليوم الموعود (فيقال) له: (هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) ولمسلم: حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة. بزيادة لفظة: إليه، لكن حكى ابن عبد البر، أن الأكثرين من أصحاب مالك رووه كالبخاري وابن القاسم، كرواية مسلم.
نعم، روى النسائي رواية ابن القاسم كلفظ البخاري، واختلف في الضمير: هل يعود على المقعد أي: هذا مقعدك تستقر فيه حتى تبعث إلى مثله من الجنة أو النار؟ ولمسلم، من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة: أو الضمير يرجع إلى الله تعالى، أي: إلى لقاء الله تعالى، أو إلى المحشر أي: هذا الآن مقعدك إلى يوم المحشر، فيرى عند ذلك كرامة أو هوانًا ينسى عنده هذا المقعد، كقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] قال الزمخشري، أي إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسى اللعن منه.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في: صفة النار، والنسائي في: الجنائز.
(باب كلام الميت) بعد حمله (على الجنازة) أي: النعش.
1380 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ».
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (عن أبيه) أبي سعيد (أنه سمع أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه. يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت) أي الجنازة (صالحة قالت: قدّموني قدّموني) مرتين (وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟) بالمثناة التحتية في:
يذهبون، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملاً على المعنى، وعدل عن حكاية قول الجنازة: يا ويلي، كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه. ومعنى النداء فيه: يا حزني، يا هلاكي، يا عذابي أحضر فهذا وقتك وأوانك. وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، وأسند الفعل إلى الجنازة، وأراد الميت، والكلام كما قال ابن بطال: من الروح، وروي مرفوعًا: إن الميت ليعرف من يحمله، ومن يغسله ومن يدليه في قبره، وعن مجاهد: إذا مات الميت فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله، وعند حمله، حتى يصير إلى قبره (يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق) أي: لمات.
ومناسبة هذه الترجمة لسابقتها من جهة عرض مقعد الميت عليه، فكأن ابتداءه يكون عند حمل الجنازة، لأنه حينئذٍ يظهر للميت ما يؤول إليه حاله، فعند ذلك يقول: قدّموني قدموني، أو: يا ويلها أين يذهبون بها؟
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
(باب ما قيل في أولاد المسلمين) غير البالغين (قال) ولأبوي: ذر، والوقت: وقال (أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار) كان بالإفراد، واسمها ضمير يعود على الموت المفهوم مما سبق، أي: كان موتهم له حجابًا، ولأبي ذر، عن الكشميهني: كانوا له حجابًا من النار (أو دخل الجنة). وإذا كانوا سببًا في حجب النار عن الأبوين ودخولهما الجنة، فأولى أن يحجبوا هم عنها، ويدخلوا الجنة. فذلك معلوم من فحوى الخطاب.
وهذا الحديث قال الحافظ ابن حجر: لم أره موصولاً من حديث أبي هريرة على هذا الوجه، لكن عند أحمد عنه مرفوعًا: "ما من مسلمَيْنِ يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم، بفضل رحمته، الجنة.
ولمسلم عنه أيضًا: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لامرأة: دفنت ثلاثة من الولد؟ قالت: نعم. قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار.
1381 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ».
وبالسند قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي، قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية، إسماعيل بن إبراهيم البصري، وعلية أمه، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب،