الحافظ ابن حجر: ليس بجيد، لأن المصنف قال عقب هذه الطريق، زاد غندر: عذاب القبر، حق، فبين أن لفظة: حق، ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر، يعني: عن شعبة. وهو كذلك، وقد أخرج طريق غندر: النسائي والإسماعيلي: كذلك، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة. اهـ.
وتعقبه العيني، بأن قوله: زاد غندر: عذاب القبر حق، ليس بموجود في كثير من النسخ، ولئن سلمنا وجود هذا، فلا نسلم أنه يستلزم حذف الخبر، مع أن الأصل ذكر الخبر، وكيف ينفي الجودة من رواية المستملي مع كونها على الأصل؟ فماذا يلزم من المحذور إذا ذكر الخبر في الروايات كلها؟ اهـ فليتأمل.
(قالت عائشة، رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) مبني على الضم، أي: بعد سؤالي إياه (صلّى صلاة إلا تعوذ) فيها (من عذاب القبر). وزاد في رواية أبي ذر هنا قوله: وزاد غندر: عذاب القبر حق. ففي هذا الحديث أنه أقر اليهودية على أن عذاب القبر حق، وفي حديثي أحمد ومسلم السابقين، أنه أنكره، حيث قال: كذب يهود، لا عذاب دون عذاب يوم القيامة، وإنما تفتن اليهود. فبين الروايتين مخالفة، لكن قال النووي، كالطحاوي وغيرهما: قضيتان، فأنكر، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قول اليهودية في الأولى، ثم أعلم بذلك ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة أخرى، فذكرت لها ذلك، فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها عليه الصلاة والسلام بأن الوحي نزل بإثباته اهـ.
وفيه إرشاد لأمته، ودلالة على أن عذاب القبر ليس خاصًّا بهذه الأمة، بخلاف المسألة ففيها خلاف، يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
1373 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- تَقُولُ "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ. فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي، نزيل البصرة، قال: (حدَّثنا ابن وهب) عبد الله المصري بالميم (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري، قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سمع أسماء بنت أبي بكر) الصديق (رضي الله عنهما، تقول):
(قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (خطيبًا، فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء) بفتح المثناة التحتية وكسر المثناة الفوقية الثانية، ولأبي ذر والوقت، من غير اليونينية: يفتن بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول، (فلما ذكر ذلك) بتفاصيله كما يجري على المرء في قبره (ضج المسلمون ضجة) عظيمة، وزاد النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري: حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني، أي: بارك الله فيك؛ ماذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي آخر كلامه؟ قال: قال: قد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة المسيح الدجال، أي: فتنة قريبة، يريد: فتنة عظيمة، إذ ليس فتنة أعظم من فتنة الدجال.
وهذا الحديث قد سبق في العلم، والكسوف، والجمعة من طريق فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بتمامه. وأورده هنا مختصرًا، ووقع هنا في بعض نسخ البخاري: وزاد غندر: عذاب القبر، بحذف الخبر أي: حق وثبت لأبي الوقت، وكذا هو ثابت في الفرع، لكن رقم عليه علامة السقوط، وفوقها علامة أبي ذر الهروي، ولا يخفى أن هذا إنما هو في آخر حديث عائشة المتقدّم، فذكره في حديث أسماء غلط، لأنه لا رواية لغندر فيه.
1374 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ -وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الرَّجُلِ؟ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا". قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ فِي قَبْرِهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: "وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ
أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بفتح العين والمثناة التحتية المشدّدة، آخره شين معجمة، الرقام البصري، قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالسين المهملة، قال: (حدَّثنا سعيد) هو: ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) وسقط لفظة: ابن مالك لأبي ذر (رضي الله عنه، أنه حدثهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه) بالواو، والضمير للميت، ولأبي ذر: إنه (ليسمع قرع نعالهم) زاد مسلم: إذا انصرفوا (أتاه ملكان) زاد ابن حبان والترمذي، من حديث أبي هريرة: أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر النكير.
والنكير فعيل بمعنى مفعول، والمنكر مفعل من أنكر، وكلاهما ضدّ المعروف، وسميا به لأن الميت لم يعرفهما، ولم ير صورة مثل