عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينهاني) عنه (فجعلت عمتي) شقيقة أبي عبد الله بن عمرو (فاطمة تبكي، فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) معزيًا لها، ومخبرًا لها بما آل إليه من الخير.
(تبكين أو لا تبكين، ما) ولأبوي: ذر والوقت، والأصيلي: فما (زالت الملائكة تظله بأجنحتها) مجتمعين عليه، متزاحمين على المبادرة لصعودهم بروحه، وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة، أو: أظلوه من الحر لئلا يتغير، أو: لأنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: و: أو، ليست للشك، بل من كلامه عليه الصلاة والسلام، للتسوية بين البكاء وعدمه. أي: فوالله إن الملائكة تظله، سواء تبكين أم لا.
(حتى رفعتموه) من مقتله، وهذا قاله عليه الصلاة والسلام بطريق الوحي، فلا يعارضه ما في حديث أم العلاء السابق، لأنه أنكر عليها قطعها، إذ لم تعلم هي من أمره شيئًا.
وقد أخرج هذا الحديث المؤلّف أيضًا في: الفضائل، والنسائي في الجنائز، والمناقب. ومطابقته للترجمة في قوله: اجعلت أكشف الثوب عن وجهه، لأن الثوب أعم من أن يكون الذي سجوه به ومن الكفن.
(تابعه) أي تابع شعبة (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز، قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المنكدر) ولأبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر في نسخة: أخبرني محمد بن المنكدر أنه (سمع جابرًا، رضي الله عنه).
وهذا وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله: جاء قومي بأبي قتيلاً يوم أحد ...
وذكر المؤلّف هذه المتابعة لينفي ما وقع في ابن ماهان، من صحيح مسلم، عن عبد الكريم، عن محمد بن علي بن حسين، عن جابر: فجعل محمد بن علي، بدل: محمد بن المنكدر، فبين البخاري أن الصواب: محمد بن المنكدر، كما رواه شعبة.
(باب الرجل ينعى) الميت، حذف مفعول ينعى: وهو الميت، لدلالة الكلام عليه. وذكر المفعول الآخر الذي عدي له بحرف الجر. أي: يظهر خبر موته (إلى أهل الميت بنفسه) ولا يستنيب فيه أحدًا، ولو كان رفيعًا. والتأكيد، أي في قوله: بنفسه، للضمير المستكن في ينعى، فهو عائد إلى الناعي لا المنعي، أو يرجع الضمير إلى المنعي وهو الميت، أي ينعى إلى أهل الميت نفس الميت، أو بسبب ذهاب نفسه.
وفائدة الترجمة بذلك دفع توهم أن هذا من إيذاء أهل الميت، وإدخال المساءة عليهم، والإشارة إلى أنه مباح. بل صرح النووي، في: المجموع، باستحبابه، لحديث الباب. ولنعيه جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ولما يترتب عليه من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره للصلاة عليه، والدعاء والاستغفار له، وتنفيذ وصاياه، وغير ذلك.
نعم، يكره نعي الجاهلية للنهي عنه، رواه الترمذي، وحسنه وصححه، وهو: النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره. قال المتولي وغيره: ويكره مرثية الميت، وهي: عدّ محاسنه، للنهي عن المراثي. انتهى.
والوجه حمل تفسيرها بذلك على غير صيغة الندب الآتي بيانها إن شاء الله تعالى، وإلا فيلزم اتحادها معه.
وقد أطلقها الجوهري على عدّ محاسنه مع البكاء وعلى نظم الشعر فيه، فيكره كل منهما لعموم النهي عن ذلك، والأوجه حمل النهي عن ذلك، على ما يظهر فيه تبرم، أو: على فعله مع الاجتماع له، أو: على الإكثار منه، أو: على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه.
وقد قالت فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه:
ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليّ مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا
وللكشميهني: نفسه، بحذف حرف الجر أي: ينعي نفس الميت، إلى أهله. وللأصيلي، حذف لفظ أهله وليس له وجه.
1245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا". [الحديث 1245 - أطرافه في: 1318، 1327، 1328، 1333، 3880، 3881].
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، عبد الله المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه):
(أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعى) أي: أخبر أصحابه بموت (النجاشي) أصحمة، وقد كانوا أهله، أو: بمثابة أهله ويستحقون أخذ عزائه، ومن ثم أدخله في الترجمة (في اليوم الذي مات فيه) في رجب