حق الصلة المرجوح لم يذهب هدرًا. ولذا أجيبت فيه الدعوة اعتبارًا لكونه ترك الصلة، وحسنت عاقبته وظهرت كرامته اعتبارًا بحق الصلاة. ولم يكن ذلك تناقضًا، بل هو من جنس قوله عليه الصلاة والسلام "واحتجبي منه يا سودة" اعتبارًا للشبه الرجوح.
وقول ابن بطال: إن سبب دعائها عليه لإباحة الكلام إذ ذاك، معارض بقول جريج المشهود له بالكرامة: أمي وصلاتي، إذ ظاهره عدم إباحته كما مر، وهو مصيب في ذلك ولا يقال: إن كان جريج مصيبًا في نظره، وأوخذ بإجابة الدعوة فيه لزم التكليف بما لا يطاق، لأن الحق أن المؤاخذة هنا ليست عقوبة، وإنما هي تنبيه على عظم حق الأم، وإن كان مرجوحًا، قال ابن المنير، فيما نقله في المصابيح.
ورواة هذا الحديث ما بين: مصري ومدني، وفيه: التحديث بصيغة الإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]. وفي: ذكر بني إسرائيل، ومسلم في باب: بر الوالدين.
(باب مسح الحصى) أو التراب أو غيرهما مما يصلّى عليه، ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: الحصاة (في الصلاة).
1207 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قال حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة، ابن عبد الرحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثني) بالإفراد (معيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر القاف بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم موحدة، ابن أبي فاطمة الدوسي المدني، رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في) شأن (الرجل) حال كونه (يسوي التراب، حيث) أي: في المكان الذي (يسجد) فيه (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إن كنت فاعلاً) أي: مسويًا التراب (فواحدة) بالنصب، بتقدير فامسح واحدة. أو: الفعل
واحدة، أو: فليكن واحدة، أو: بالرفع مبتدأ وحذف خبره أي: فواحدة تكفيك، أو: خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع فعلة واحدة أي: لئلا يلزم العمل الكثير المبطل، أو عدم المحافظة على الخشوع، أو لئلا يجعل بينه وبين الرحمة التي تواجهه حائلاً. وأبيح له المرة لئلا يتأذى به في سجوده.
وفي حديث أبي ذر، عند أصحاب السنن مرفوعًا: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى" وقوله: إذا قام، أراد به الدخول في الصلاة ليوافق حديث الباب، فلا يكون منهيًا عن المسح قبل الدخول فيها، بل الأولى أن يفعل ذلك حتى لا يشتغل باله وهو في الصلاة به، والتعبير بالرجل، خرج مخرج الغالب وإلاّ فالحكم جار في جميع المكلفين.
وحكاية النووي الاتفاق على كراهة مسح الحصى وغيره في الصلاة، معارضة بما في المعالم للخطابي عن مالك، أنه لم في به بأسًا، وكان يفعله، ولعله لم يبلغه الخبر.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: كوفي وبصري ومدني، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة. وليس لمعيقيب في هذا الكتاب غير هذا الحديث، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
(باب) جواز (بسط الثوب) على الأرض (في الصلاة للسجود) عليه، لأنه عمل يسير.
1208 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا غَالِبٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل بالضاد المعجمة المشددة المفتوحة، قال: (حدّثنا غالب) بالمعجمة وكسر اللام، ولأبي ذر: غالب القطان (عن بكر بن عبد الله) بفتح الموحدة وإسكان الكاف المزني البصري (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال):
(كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض) من شدة الحر (بسط ثوبه) المنفصل عنه أو المتصل به، غير المتحرك بحركته عمدًا (فسجد عليه).
وإنما لم تبطل الصلاة بذلك، مع أنه من غير جنسها لقلته. إذ كل عمل قليل: كالخطوتين أو الضربتين غير مبطل، بخلاف الكثير. كالثلاث المتواليات.
نعم، يستثنى من القليل الأكل، فتبطل به لإشعاره بالإعراض عنها، إلا أن يكون ناسيًا أو جاهلاً تحريمه، فلا تبطل به. وأما الكثير فتبطل به مع النسيان أو جهل التحريم في الأصح.
وقد